معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (9)

قوله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر } ، يعني القرآن ، { وإنا له لحافظون } ، أي : تحفظ القرآن من الشياطين أن يزيدوا فيه ، أو ينقصوا منه ، أو يبدلوا ، قال الله تعالى : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } [ فصلت-42 ] والباطل : هو إبليس ، لا يقدر أن يزيد فيه ما ليس منه ولا أن ينقص منه ما هو منه . وقيل الهاء في له راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم أي : إنا لمحمد لحافظون ممن أراده بسوء كما قال جل ذكره : { والله يعصمك من الناس } [ المائدة-67 ] .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ } .

يقول تعالى ذكره : إنّا نَحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ وهو القرآن ، وإنّا لَهُ لحَافِظُونَ قال : وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل مّا ليس منه ، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه . والهاء في قوله : «لَهُ » من ذكر الذكر .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني الحسن ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وإنّا لَهُ لحَافِظُونَ قال : عندنا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّا نَحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ وإنّا لَهُ لحَافِظُونَ قال في آية أخرى : لا يَأْتِيهِ الباطِلُ والباطل : إبليس ، مِنْ بينِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ فأنزله الله ثم حفظه ، فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلاً ولا ينتقص منه حقّا ، حفظه الله من ذلك .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وإنّا لَهُ لحَافِظُونَ قال : حفظه الله من أن يزيد فيه الشيطان باطلاً أو ينقص منه حقّا .

وقيل : الهاء في قوله : وإنّا لَهُ لحَافِظُونَ من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم بمعنى : وإنا لمحمد حافظون ممن أراده بسوء من أعدائه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (9)

{ إنا نحن نزّلنا الذكر } رد لإنكارهم واستهزائهم ولذلك أكده من وجوه وقرره بقوله : { وإنا له الحافظون } أي من التحريف والزيادة والنقص بأن جعلناه معجزا مباينا لكلام البشر ، بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللسان ، أو نفي تطرق الخلل إليه في الدوام بضمان الحفظ له كما نفى أن يطعن فيه بأن المنزل له . وقيل الضمير في { له } للنبي صلى الله عليه وسلم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (9)

وقوله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر } رد على المستخفين في قولهم : { يا أيها الذي نزل عليه الذكر } . وهذا كما يقول لك رجل على جهة الاستخفاف : يا عظيم القدر ، فتقول له - على جهة الرد والنجة : نعم أنا عظيم القدر . ثم تأخذ في قولك - فتأمله .

وقوله : { وإنا له لحافظون } قالت فرقة : الضمير في { له } عائد على محمد صلى الله عليه وسلم ، أي يحفظه من أذاكم ويحوطه من مكركم وغيره ، ذكر الطبري هذا القول ولم ينسبه ؛ وفي ضمن هذه العدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أظهر الله به الشرع وحان أجله . وقالت فرقة - وهي الأكثر - الضمير في { له } عائد على القرآن وقاله مجاهد وقتادة ، والمعنى : { لحافظون } من أن يبدل أو يغير ، كما جرى في سائر الكتب المنزلة ، وفي آخر ورقة من البخاري عن ابن عباس : أن التبديل فيها إنما كان في التأويل وأما في اللفظ فلا ؛ وظاهر آيات القرآن أنهم بدلوا اللفظ ، ووضع اليد في آية الرجم هو في معنى تبديل الألفاظ{[7134]} .

وقيل : { لحافظون } باختزانه في صدور الرجال .

قال القاضي أبو محمد : والمعنى متقارب ، وقال قتادة : هذه الآية نحو قوله تعالى : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه }{[7135]} [ فصلت : 42 ] .


[7134]:وضع اليد على آية الرجم ورد في حديث رواه البخاري وغيره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها و ما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال عبد الله: فرأيت الرجل يخبأ على المرأة يقيها الحجارة. (البخاري ـ باب المناقب). قال ابن الأثير في النهاية: (يخبىء) أي: يكب عليها ويميل، أخبأ يخبىء إخباء، وفي رواية أخرى: (يخابىء عليها)، مفاعلة، ويروى بالحاء المهملة.
[7135]:من الآية (42) من سورة (فصلت).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (9)

استئناف ابتدائي لإبطال جزء من كلامهم المستهزئين به ، إذ قالوا : { يأيها الذي نزل عليه الذكر } [ سورة الحجر : 6 ] ، بعد أن عجل كشف شبهتهم في قولهم : { لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين } [ سورة الحجر : 7 ] .

جاء نشر الجوابين على عكس لفّ المقالين اهتماماً بالابتداء بردّ المقال الثاني بما فيه من الشبهة بالتعجيز والإفحام ، ثم ثُني العنان إلى ردّ تعريضهم بالاستهزاء وسؤال رؤية الملائكة .

وكان هذا الجواب من نوع القول بالموجب بتقرير إنزال الذكر على الرسول مجاراة لظاهر كلامهم . والمقصود الردّ عليهم في استهزائهم ، فأكد الخبر ب{ إنا } وضمير الفصل مع موافقته لما في الواقع كقوله : { قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } [ سورة المنافقون : 1 ] .

ثم زاد ذلك ارتقاء ونكاية لهم بأن منزل الذكر هو حافظه من كيد الأعداء ؛ فجملة { وإنا له لحافظون } معترضة ، والواو اعتراضية .

والضمير المجرور باللام عائد إلى { الذكر } ، واللام لتقوية عمل العامل لضعفه بالتأخير عن معموله .

وشمل حفظه الحفظ من التلاشي ، والحفظ من الزيادة والنقصان فيه ، بأن يسّر تواتره وأسباب ذلك ، وسلّمه من التبديل والتغيير حتى حفظته الأمّة عن ظهور قلوبها من حياة النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرّ بين الأمّة بمسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وصار حفّاظه بالغين عدد التواتر في كل مصر .

وقد حكى عياض في « المدارك » : أن القاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد المالكي البصري{[255]} سئل عن السرّ في تطرق التغيير للكتب السالفة وسلامة القرآن من طرق التغيير له . فأجاب بأن الله أوكل للأحبار حفظ كتبهم فقال : { بما استحفظوا من كتاب الله } [ سورة المائدة : 44 ] وتولى حفظ القرآن بذاته تعالى فقال : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } .

قال أبو الحسن بن المُنْتَاب ذكرت هذا الكلام للمَحَامِلي فقال لي : لا أحسنَ من هذا الكلام{[256]} .

وفي تفسير « القرطبي » في خبر رواه عن يحيى بن أكثم : أنه ذكر قصة إسلام رجل يهودي في زمن المأمون ، وحدث بها سفيان بن عيينة فقال سفيان : قال الله في التوراة والإنجيل { بما استحفظوا من كتاب الله } فجعل حفظه إليهم فضاع . وقال عز وجل : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } فحفظه الله تعالى علينا فلم يضع » اهـ . ولعل هذا من توارد الخواطر .

وفي هذا مع التنويه بشأن القرآن إغاظة للمشركين بأن أمر هذا الدين سيتم وينتشر القرآن ويبقى على ممرّ الأزمان . وهذا من التحدّي ليكون هذا الكلام كالدليل على أن القرآن منزّل من عند الله آية على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لو كان من قول البشر أو لم يكن آية لتطرّقت إليه الزيادة والنقصان ولاشتمل على الاختلاف ، قال تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً } [ سورة النساء : 82 ] .


[255]:- هو القاضي اسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد الأزدي البصري ثم البغدادي المالكي الإمام المفسر قاضي بغداد ولد سنة 200 وتوفي في ذي الحجة سنة 382 أخذ عن أصحاب مالك بن أنس مثل عبد الله بن مسلمة القعنبي، وأخذ عن إيمة الحديث مثل إسماعيل بن أبي أويس وعلي بن المديني وأبي بكر بن أبي شيبة، قال الباجي لم تحصل درجة الاجتهاد واجتماع آلته بعد مالك إلا إسماعيل القاضي.
[256]:- أبو الحسن عبيد الله بن المنتاب البغدادي المالكي قاضي المدينة المنورة في زمن المقتدر ( من سنة 295 إلى سنة 320 ) كان من أصحاب القاضي إسماعيل. وروى عن البخاري وولى قضاء الكوفة وتوفي سنة 380.