البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (9)

ولما قالوا على سبيل الاستهزاء : يا أيها الذي نزل عليه الذكر ، رد عليهم بأنه هو المنزل عليه ، فليس من قبله ولا قبل أحد ، بل هو الله تعالى الذي بعث به جبريل عليه السلام إلى رسوله ، وأكد ذلك بقوله : إنا نحن ، بدخول إنّ وبلفظ نحن .

ونحن مبتدأ ، أو تأكيد لاسم إنّ ثم قال : وإنا له لحافظون أي : حافظون له من الشياطين .

وفي كل وقت تكفل تعالى بحفظه ، فلا يعتريه زيادة ولا نقصان ، ولا تحريف ولا تبديل ، بخلاف غيره من الكتب المتقدمة ، فإنه تعالى لم يتكفل حفظها بل قال تعالى : إن الربانيين والأحبار استحفظوا ولذلك وقع فيها الاختلاف .

وحفظه إياه دليل على أنه من عنده تعالى ، إذ لو كان من قول البشر لتطرق إليه ما تطرق لكلام البشر .

وقال الحسن : حفظه بإبقاء شريعته إلى يوم القيامة .

وقيل : يحفظه في قلوب من أراد بهم خيراً حتى لو غير أحد نقطة لقال له الصبيان : كذبت ، وصوابه كذا ، ولم يتفق هذا لشيء من الكتب سواه .

وعلى هذا فالظاهر أنّ الضمير في له عائد على الذكر ، لأنه المصرح به في الآية ، وهو قول الأكثر : مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما .

وقالت فرقة : الضمير في له عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي : يحفظه من أذاكم ، ويحوطه من مكركم كما قال تعالى : { والله يعصمك من الناس } وفي ضمن هذه الآية التبشير بحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظهر الله به الدين .