السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (9)

ثم أجاب تعالى عن الأوّل بقوله تعالى مؤكداً لتكذيبهم : { إنا نحن } بما لنا من العظمة والقدرة { نزلّنا } ، أي : بالتدريج على لسان جبريل عليه السلام { الذكر } ، أي : القرآن { وإنا له لحافظون } ، أي : من التبديل والتحريف والزيادة والنقصان ، ونظيره قوله تعالى : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً } [ النساء ، 82 ]

فالقرآن العظيم محفوظ من هذه الأشياء كلها لا يقدر أحد من جميع الخلق من الجن والإنس أن يزيد فيه أو ينقص منه كلمة واحدة أو حرفاً واحداً وهذا مختص بالقرآن العظيم بخلاف سائر الكتب المنزلة فإنه قد دخل على بعضها التحريف والتبديل والزيادة والنقصان ، فإن قيل : فلم اشتغلت الصحابة بجمع القرآن في المصحف وقد وعد الله تعالى بحفظه وما حفظه الله تعالى فلا خوف عليه ؟ أجيب : بأن جمعهم القرآن في المصحف كان من أسباب حفظ الله تعالى إياه فإنه تعالى لما أراد حفظه قيضهم لذلك ، قال أصحابنا : وفي هذه الآية دلالة قوية على كون البسملة آية من أول كل سورة لأن الله تعالى قد وعد حفظ القرآن والحفظ لا معنى له إلا أن يبقى مصوناً من الزيادة والنقصان فلو لم تكن البسملة آية من القرآن لما كان مصوناً عن التغيير ولما كان محفوظاً عن الزيادة ولو جاز أن يظنّ بالصحابة أنهم زادوا جاز أيضاً أن يظن بهم النقصان وذلك يوجب خروج القرآن عن كونه حجة ، وقيل : الضمير في له راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى : وإنا لمحمد لحافظون ممن أراد به سوءاً فهو كقوله تعالى : { والله يعصمك من الناس } [ المائدة ، 67 ] .