المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (9)

وقوله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر } رد على المستخفين في قولهم : { يا أيها الذي نزل عليه الذكر } . وهذا كما يقول لك رجل على جهة الاستخفاف : يا عظيم القدر ، فتقول له - على جهة الرد والنجة : نعم أنا عظيم القدر . ثم تأخذ في قولك - فتأمله .

وقوله : { وإنا له لحافظون } قالت فرقة : الضمير في { له } عائد على محمد صلى الله عليه وسلم ، أي يحفظه من أذاكم ويحوطه من مكركم وغيره ، ذكر الطبري هذا القول ولم ينسبه ؛ وفي ضمن هذه العدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أظهر الله به الشرع وحان أجله . وقالت فرقة - وهي الأكثر - الضمير في { له } عائد على القرآن وقاله مجاهد وقتادة ، والمعنى : { لحافظون } من أن يبدل أو يغير ، كما جرى في سائر الكتب المنزلة ، وفي آخر ورقة من البخاري عن ابن عباس : أن التبديل فيها إنما كان في التأويل وأما في اللفظ فلا ؛ وظاهر آيات القرآن أنهم بدلوا اللفظ ، ووضع اليد في آية الرجم هو في معنى تبديل الألفاظ{[7134]} .

وقيل : { لحافظون } باختزانه في صدور الرجال .

قال القاضي أبو محمد : والمعنى متقارب ، وقال قتادة : هذه الآية نحو قوله تعالى : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه }{[7135]} [ فصلت : 42 ] .


[7134]:وضع اليد على آية الرجم ورد في حديث رواه البخاري وغيره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها و ما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال عبد الله: فرأيت الرجل يخبأ على المرأة يقيها الحجارة. (البخاري ـ باب المناقب). قال ابن الأثير في النهاية: (يخبىء) أي: يكب عليها ويميل، أخبأ يخبىء إخباء، وفي رواية أخرى: (يخابىء عليها)، مفاعلة، ويروى بالحاء المهملة.
[7135]:من الآية (42) من سورة (فصلت).