إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (9)

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر } ردٌّ لإنكارهم التنزيلَ واستهزائِهم برسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وتسليةٌ له ، أي نحن بعِظَم شأنِنا وعلوِّ جنابنا نزلنا ذلك الذكرَ الذي أنكروه وأنكروا نزولَه عليك ونسبوك بذلك إلى الجنون وعَمَّوا مُنزِّله ، حيث بنوَا الفعلَ للمفعول إيماءً إلى أنه أمرٌ لا مصدرَ له وفعلٌ لا فاعلَ له { وَإِنَّا لَهُ لحافظون } من كل ما لا يليق به ، فيدخل فيه تكذيبُهم له واستهزاؤُهم به دخولاً أولياً فيكون وعيداً للمستهزئين ، وأما الحفظُ عن مجرد التحريفِ والزيادة والنقصِ وأمثالِها فليس بمقتضى المقام ، فالوجهُ الحملُ على الحفظ من جميع ما يقدح فيه من الطعن فيه والمجادلةِ في حقّيته ، ويجوزُ أن يراد حفظُه بالإعجاز دليلاً على التنزيل من عنده تعالى إذ لو كان من عند غير الله لتطرّق عليه الزيادةُ والنقصُ والاختلاف ، وفي سبك الجملتين من الدلالة على كمال الكبرياءِ والجلالة وعلى فخامة شأنِ التنزيل ما لا يخفى ، وفي إيراد الثانيةِ بالجملة الاسمية دلالةٌ على دوام الحفظِ والله سبحانه أعلم ، وقيل : الضمير المجرورُ للرسول صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى : { والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس } وتأخيرُ هذا الكلام وإن كان جواباً عن أول كلامِهم الباطلِ ، ورداً له لما ذكر آنفاً ولارتباطه بما يعقُبه من قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلنَا من قبلك في شيع الأولين } .