قوله تعالى : { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } ، أي الموت الموقن به ، وهذا معنى ما ذكر في سورة مريم : { وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا } .
أخبرنا المطهر بن علي الفارسي ، أنبأنا محمد بن إبراهيم الصالحي ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن جعفر أبو الشيخ الحافظ ، حدثنا أمية بن محمد الصواف البصري ، حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا أبي والهيثم بن خارجة قالا : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن شرحبيل بن مسلم ، عن أبي مسلم الخولاني عن جبير بن نفير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " .
وروي عن عمر رضي الله عنه قال : نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه أهاب كبش قد تنطق به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انظروا إلى هذا الذي قد نور الله قلبه لقد رأيته بين أبويه بغذيانه بأطيب الطعام والشراب ، ولقد رأيت عليه حلة شراها ، أو شريت له ، بمائتي درهم ، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترونه " . والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاعْبُدْ رَبّكَ حَتّىَ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : واعبد ربك حتى يأتيك الموت ، الذي هو مُوقَن به . وقيل : يقين ، وهو موقَن به ، كما قيل : خمر عتيق ، وهي معتّقَة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعد ، عن سفيان ، قال : ثني طارق بن عبد الرحمن ، عن سالم بن عبد الله : واعْبُدْ رَبّكَ حتى يَأْتِيكَ اليَقِينُ قال : الموت .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، حميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني عباس بن محمد ، قال : حدثنا حجاج ، قال : ابن جريج : أخبرني ابن كثير أنه سمع مجاهدا يقول : حتى يَأْتِيكَ اليَقِينُ قال : الموت .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيدُ ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : واعْبُدْ رَبّكَ حتى يَأْتِيكَ اليَقِينُ قال : يعني الموت .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : حتى يَأْتِيكَ اليَقِينُ قال : اليقين : الموت .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، في قوله : حتى يَأْتِيكَ اليَقِينُ قال : الموت .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن طارق ، عن سالم ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : واعْبُدْ رَبّكَ حتى يَأْتِيكَ اليَقِينُ قال : الموت إذا جاءه الموت جاءه تصديق ما قال الله له وحدّثه من أمر الاَخرة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب : أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره عن أمّ العلاء امرأة من الأنصار قد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته أنهم اقتسموا المهاجرين قُرْعة ، قالت : وطار لنا عثمان بن مظعون ، فأنزلناه في أبياتنا ، فوَجع وجعه الذي مات فيه . فلما تُوفّي وغَسّل وكُفّن في أثوابه ، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا عثمان بن مظعون رحمة الله عليك أبا السائب ، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ومَا يُدْرِيكَ أنّ اللّهَ أكْرَمَهُ ؟ » قالت يا رسول الله فَمَهْ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أمّا هُوَ فَقَدْ جاءَه اليَقِينُ ، وَوَاللّهِ إنّي لأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مالك بن إسماعيل ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال : حدثنا ابن شهاب ، عن خارجة بن زيد ، عن أمّ العلاء امرأة عن نسائهم ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، قال : أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل ، عن محمد بن شهاب ، أن خارجة بن زيد ، حدثه عن أمّ العلاء امرأة منهم ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه ، إلا أنه قال في حديثه : فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أمّا هُوَ فَقَدْ عايَنَ اليَقِينَ » .
و { اليقين } : الموت ، بذلك فسره هنا ابن عمر ومجاهد والحسن وابن زيد ، ومنه قول النبي عليه السلام عند موت عثمان بن مظعون : «أما هو فقد رأى اليقين »{[7235]} ، ويروى «فقد جاءه اليقين » . وليس { اليقين } من أسماء الموت ، وإنما العلم به يقين لا يمتري فيه عاقل ، فسماه هنا يقيناً تجوزاً ، أي يأتيك الأمر اليقين علمه ووقوعه وهذه الغاية معناها مدة حياتك ، ويحتمل أن يكون المعنى { حتى يأتيك اليقين } في النصر الذي وعدته{[7236]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.