معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا} (60)

قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } . الآية قال الشعبي : كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة ، فقال اليهودي : نتحاكم إلى محمد ، لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة ، ولا يميل في الحكم ، وقال المنافق : نتحاكم إلى اليهود ، لعلمه أنهم يأخذون الرشوة ، ويميلون في الحكم ، فاتفقا على أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه ، فنزلت هذه الآية . قال جابر : كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها واحد في جهينة وواحد في أسلم ، وفي كل حي كاهن .

وقال الكلبي : عن أبي صالح وابن عباس : نزلت في رجل المنافقين يقال له بشر ، كان بينه وبين يهودي خصومة ، فقال اليهودي : ننطلق إلى محمد وقال المنافق : بل إلى كعب بن الأشرف ، وهو الذي سماه الله الطاغوت ، فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي ، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال : انطلق بنا إلى عمر رضي الله عنه ، فأتيا عمر ، فقال اليهودي : اختصمت أنا وهذا إلى محمد ، فقضى لي عليه ، فلم يرض بقضائه ، وزعم أنه يخاصم إليك . فقال عمر رضي الله عنه للمنافق : أكذلك ؟ قال : نعم ، قال لهما : رويدكما حتى أخرج إليكما ، فدخل عمر البيت ، وأخذ السيف ، واشتمل عليه ثم خرج . فضرب به المنافق حتى برد ، وقال : هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله ، فنزلت هذه الآية ، وقال جبريل : إن عمر رضي الله عنه فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق .

وقال السدي : كان ناس من اليهود أسلموا ، ونافق بعضهم ، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رجل من بني قريظة رجلاً من بني النضير قتل به ، أو أخذ ديته مائة وسق تمر ، وإذا قتل رجل من بني النضير رجلاً من قريظة لم يقتل به ، وأعطى ديته ستين وسقاً ، وكانت النضير -وهم حلفاء الأوس- أشرف وأكثر من قريظة وهم حلفاء الخزرج ، فلما جاء الله بالإسلام ، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة ، فاختصموا في ذلك ، فقالت بنو النضير : كنا وأنتم قد اصطلحنا على أن نقتل منكم ولا تقتلون منا ، وديتكم ستون وسقاً وديتنا مائة وسق ، فنحن نعطيكم ذلك ، فقالت الخزرج : هذا شيء كنتم فعلتموه في الجاهلية لكثرتكم وقلتنا ، فقهرتمونا ونحن وأنتم اليوم إخوة ، وديننا ودينكم واحد ، فلا فضل لكم علينا ، فقال المنافقون منهم : انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي ، وقال المسلمون من الفريقين : لا بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بردة ليحكم بينهم ، فقال : أعظموا اللقمة ، يعني الحظ ، فقالوا : لك عشرة أوسق ، قال : لا ، بل مائة وسق ديتي ، فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق ، وأبى أن يحكم بينهم ، فأنزل الله تعالى آيتي القصاص وهذه الآية .

قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } يعني إلى أبي الكاهن ، أو كعب بن الأشرف ، { وقد أمروا أن يكفروا به ، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا} (60)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوَاْ إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوَاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشّيْطَانُ أَن يُضِلّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : ألم تر يا محمد بقلبك فتعلم إلى الذين يزعمون أنهم صدّقوا بما أنزل إليك من الكتاب ، وإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قلبك من الكتب : { يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاَكَمُوا } في خصومتهم { إلى الطّاغُوتِ } يعني : إلى من يعظمونه ، ويصدرون عن قوله ، ويرضون بحكمه من دون حكم الله . { وَقَدْ أُمِرُوا أنْ يَكْفُرُوا بِهِ } يقول : وقد أمرهم الله أن يكذّبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكون إليه ، فتركوا أمر الله ، واتبعوا أمر الشيطان . { وَيُريدُ الشّيْطانُ أنْ يُضِلّهُمْ ضَلالاً بَعِيدا } يعني أن الشيطان يريد أن يصدّ هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الحق والهدى ، فيضلهم عنها ضلالاً بعيدا ، يعني : فيجوز بهم عنها جورا شديدا . وقد ذكر أن هذه الاَية نزلت في رجل من المنافقين دعا رجلاً من اليهود في خصومة كانت بينهما إلى بعض الكهان ليحكم بينهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عامر في هذه الاَية : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ } قال : كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة ، فكان المنافق يدعو إلى اليهود لأنه يعلم أنهم يقبلون الرشوة ، وكان اليهودي يدعو إلى المسلمين لأنه يعلم أنهم لا يقبلون الرشوة ، فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جُهينة ، فأنزل الله فيه هذه الاَية : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ } . . . حتى بلغ : { وَيُسّلمُوا تَسْلِيما } .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عامر في هذه الاَية : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزَعمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ } فذكر نحوه ، وزاد فيه : فأنزل الله { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعَمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ } يعني المنافقين { وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } يعني اليهود { يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ } يقول : إلى الكاهن { وَقَدْ أُمِرُوا أنْ يَكْفُرُوا بِهِ } أمر هذا في كتابه ، وأمر هذا في كتابه أن يكفر بالكاهن .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي ، قال : كانت بين رجل ممن يزعم أنه مسلم ، وبين رجل من اليهود خصومة ، فقال اليهودي : أحاكمك إلى أهل دينك ، أو قال : إلى النبيّ¹ لأنه قد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ الرشوة في الحكم . فاختلفا ، فاتفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة ، قال : فنزلت : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ } يعني : الذي من الأنصار { وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } يعني : اليهودي { يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكمُوا إلى الطّاغُوتِ } إلى الكاهن { وَقَدْ أُمِرُوا أنْ يَكْفُرُوا بِهِ } يعني : أمر هذا في كتابه ، وأمر هذا في كتابه . وتلا : { ويُرِيدُ الشّيْطانُ أنْ يُضِلّهُمْ ضَلالاً بَعِيدا } ، وقرأ : { فَلاَ وَرَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ } إلى : { وَيُسَلّمُلأا تَسْلِيما } .

حدثنا محمد بن الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : زعم حضرميّ أن رجلاً من اليهود كان قد أسلم ، فكانت بينه وبين رجل من اليهود مدارأة في حقّ ، فقال اليهودي له : انطلق إلى نبيّ الله ! فعرف أنه سيقضي عليه . قال : فأبى ، فانطلقا إلى رجل من الكهان ، فتحاكما إليه . قال الله : { ألَمَ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ } .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعَمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } . . . الاَية ، حتى بلغ : { ضَلالاً بَعِيدا } ذكر لنا أن هذه الاَية نزلت في رجلين : رجل من الأنصار يقال له بشر ، وفي رجل من اليهود في مدارأة كان بيهما في حقّ ، فتدارءا بينهما فيه ، فتنافرا إلى كاهن بالمدينة يحكم بينهما ، وتركا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم . فعاب الله عزّ وجلّ ذلك . وذُكر لنا أن اليهودي كان يدعوه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما ، وقد علم أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لن يجور عليه ، فجعل الأنصاري يأبي عليه وهو يزعم أنه مسلم ويدعوه إلى الكاهن ، فأنزل الله تبارك وتعالى ما تسمعون ، فعاب ذلك على الذي زعم أنه مسلم ، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب ، فقال : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ } . . . إلى قوله : { صُدُودا } .

حدثنا محمد بن السحين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكمُوا إلى الطّاغُوتِ } قال : كان ناس من اليهود قد أسلموا ونافق بعضهم ، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قُتل الرجل من بني النضير قتلته بنو قريظة قتلوا به منهم ، فإذا قُتل الرجل من بني قريظة قتلته النضير ، أعطوا دينه ستين وَسْقا من تمر . فلما أسلم ناس من بني قريظة والنضير ، قتل رجل من بني النضير رجلاً من بني قريظة ، فتحاكموا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال النضيري : يا رسول الله إنا كنا نعطيهم في الجاهلية الدية ، فنحن نعطيهم اليوم ذلك . فقالت قريظة : لا ، ولكنا إخوانكم في النسب والدين ، ودماؤنا مثل دمائكم ، ولكنكم كنتم تغلبوننا في الجاهلية ، فقد جاء الله بالإسلام فأنزل الله يعيرهم بما فعلوا . فقال : { وكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيها أنّ النّفْسَ بالنّفْسِ } فعيرهم ، ثم ذكر قول النضيري : كنا نعطيهم في الجاهلية ستين وسقا ونقتل منهم ولا يقتلون ، فقال : { أفحُكْمَ الجَاهِليّةِ يَبْغُونَ } . وأخذ النضيريّ فقتله بصاحبه . فتفاخرت النضير وقريظة ، فقالت النضير : نحن أكرم منكم ، وقالت قريظة : نحن أكرم منكم ، ودخلوا المدينة إلى أبي برزة الكاهن الأسلميّ ، فقال المنافق من قريظة والنضير : انطلقوا إلى أبي برزة ينفّر بيننا ! وقال المسلمون من قريظة والنضير : لا ، بل النبي صلى الله عليه وسلم ينفر بيننا ، فتعالوا إليه ! فأبي المنافقون ، وانطلقا إلى أبي برزة فسألوه ، فقال : أعظموا اللقمة ! يقول : أعظموا الخطر . فقالوا : لك عشرة أوساق ، قال : لا ، بل مائة وسق ديتي ، فإني أخاف أن أنفر النضير تقتلني قريظة ، أو أنفر قريظة فتقتلني النضير . فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوساق ، وأبي أن يحكم بينهم ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ } وهو أبو برزة ، وقد أمروا أن يكفروا به ، إلى قوله : { وَيُسَلّمُوا تَسْلِيما } .

وقال آخرون : الطاغوت في هذا الموضع : هو كعب بن الأشرف . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يُريدُونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوت وَقَدْ أُمِرُوا أنْ يَكْفُرُوا بِهِ } والطاغوت : رجل من اليهود كان يقال له كعب بن الأشرف ، وكانوا إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ليحكم بينهم قالوا : بل نحاكمكم إلى كعب¹ فذلك قوله : { يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوت } . . . الاَية .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } قال : تنازع رجل من المنافقين ورجل من اليهود ، فقال المنافق : اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف ! وقال اليهودي : اذهب بنا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ! فقال الله تبارك وتعالى : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ } . . . الاَية والتي تليها فيهم أيضا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ } فذكر مثله ، إلا أنه قال : وقال اليهودي : اذهب بنا إلى محمد .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } . . . إلى قوله : { ضَلالاً بَعِيدا } قال : كان رجلان من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم بينهما خصومة ، أحدهم مؤمن ، والاَخر منافق . فدعاه المؤمن إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ، فأنزل الله : { وَإذا قِيلَ لَهُمْ تَعالُوْا إلى ما أنْزَلَ اللّهُ وَإلى الّرسُولِ رأيْتُ المُنافِقِينَ يَصُدّونَ عَنْكَ صُدُودا } .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ } قال : تنازع رجل من المؤمنين ورجل من اليهود ، فقال اليهودي : اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف ، وقال المؤمن : اذهب بنا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال الله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ } . . . إلى قوله : { صُدُودا } .

قال ابن جريج : يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ، قال : القرآن ، وما أنزل من قبلك ، قال : التوراة . قال : يكون بين المسلم والمنافق الحقّ ، فيدعوه المسلم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ليحاكمه إليه ، فيأبي المنافق ويدعوه إلى الطاغوت . قال ابن جريج : قال مجاهد : الطاغوت : كعب بن الأشرف .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { يُرِيدُونَ أنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ } هو كعب بن الأشرف .

وقد بينا معنى الطاغوت في غير هذا الموضع ، فكرهنا إعادته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا} (60)

ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } عن ابن عباس رضي الله عنهما . ( أن منافقا خاصم يهوديا فدعاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ثم إنهما احتكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحكم لليهودي فلم يرض المنافق بقضائه وقال : نتحاكم إلى عمر فقال اليهودي لعمر : قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه وخاصم إليك ، فقال عمر رضي الله تعالى عنه للمنافق : أكذلك . فقال نعم . فقال مكانكما حتى أخرج إليكما ، فدخل فأخذ سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد وقال هكذا أقضي لمن يرضى بقضاء الله ورسوله ) فنزلت . وقال جبريل إن عمر قد فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق ، والطاغوت على هذا كعب بن الأشرف وفي معناه من يحكم بالباطل ويؤثر لأجله ، سمي بذلك لفرط طغيانه أو لتشبهه بالشيطان ، أو لأن التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان من حيث إنه الحامل عليه كما قال . { وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا } وقرئ أن " يكفروا بها " على أن الطاغوت جمع كقوله تعالى { أولياؤهم الطاغوت } يخرجونهم .