الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا} (60)

{ يَزْعُمُونَ } : مثلُ ظنَّ وأخواتها بشرطِ ألاَّ تكونَ بمعنى كَفِل ولا كذب ولا سَمِن ولا هَزَل ، و " أنَّ سادَّةٌ مسدَّ مفعوليها ، . وقرأ الجمهور : " أُنْزل إليك وما أُنْزل من قبلك " مبنياً للمفعول ، وقرئا مبنيين للفاعل وهو الله تعالى . والزعم - بفتح الزاي وضمها وكسرها - مصدرُ زَعَم ، وهو قولٌ يقترن به اعتقاد ظني قال :

فإنْ تَزْعُميني كنتُ أجهلُ فيكُمُ *** فإني شَرَيْتُ الحِلْمَ بعدَك بالجَهْل

قال ابنُ دريد : " أكثرُ ما يقع على الباطل " وقال عليه السلام : " بئس مطيةُ الرجلِ زعموا " وقال الأعشى :

ونُبِّئْتُ قيساً ولم أَبْلُه *** كما زعموا خيرَ أهلِ اليمنْ

فقال الممدوح : " وما هو إلا الزعم " وحرمه ولم يُعْطِه شيئاً . [ وذكر صاحبُ " العين " أنها تقع غالباً على " أنَّ " قال : " وقد تقع في الشعر على الاسم " وأنشد بين أبي ذؤيب ، وقول الآخر ] :

زَعَمَتْني شيخاً ولستُ بشيخٍ *** إنما الشيخُ مَنْ يَدِبُّ دبيباً

وتكون " زعم " بمعنى " ظَنَّ " فتتعدَّى لاثنين ، وبمعنى " كفِل " فتتعدى لواحد ، ومنه { وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } [ يوسف : 72 ] وبمعنى " رَأس " وبمعنى سَمِن " و " هَزَل " فلا تتعدى .

قوله : { يُرِيدُونَ } حالٌ من فاعل " يَزْعُمون " أو من " الذين يزعمون " وقوله : { وَقَدْ أُمِرُواْ } حال من فاعل " يريدون " فهما حالان متداخلان ، و " أن يكفروا " في محلِّ نصب فقط إنْ قَدَّرْتَ تعدية " أمر " إلى الثاني بنفسِه ، وإلا ففيها الخلافُ المشهور ، والضمير في " به " عائد على الطاغوت ، وقد تقدَّم أنه يُذَكَّر ويؤنث ، وما قال الناس فيه في البقرة . وقرأ عباس بن الفضل : " ان يكفُروا بهنَّ " بضمير جميع التأنيث .

قوله : { أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً } في " ضلالاً " ثلاثة أقوال ، أحدهما : أنه مصدر على غير الصدر نحو : { أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً } [ نوح : 3 ] والأصل " إضلال " و " إنبات " فهو اسمٌ مصدر لا مصدر . والثاني : أنه مصدرٌ لمطاوع " أَضلَّ " أي : أضَلَّهم فضلُّوا ضلالاً . والثالث : أن يكون من وَضْعِ أحد المصدرين موضعَ الآخر . وقد تقدم الكلامُ على " تعالوا " في آل عمران وما قال الناس فيها ، وقراءةِ الحسن وتوجيهِها فعليك بالالتفات إليه .