محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا} (60)

ولما أوجب تعالى على جميع المكلفين أن يطيعوا الله ورسوله ، آثرها بأن المنافقين والذين في قلوبهم مرض لا يطيعون الرسول ولا يرضون بحكمه ، وإنما يريدون حكم غيره ، فقال :

( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا60 ) .

( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك ) يعني القرآن ( وما أنزل من قبلك ) يعني التوراة . ووصفهم بادعاء الإيمان بالقرآن وبما أنزل من قبله ، لتأكيد العجيب من حالهم وتشديد التوبيخ والاستقباح ، ببيان كمال المباينة بين دعواهم المقتضية حتما للتحاكم إلى الرسول ، وبين ما صدر عنهم من مخالفة الأمر المحتوم ( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) الداعي إلى الطغيان بالحكم على خلاف المنزل اليك والمنزل على من قبلك . وتقدم قريبا معاني الطاغوت . والمراد به ههنا ما سوى كتاب الله وسنة رسوله ، من الباطل ( وقد أمروا ) في جميع تلك الكتب ( أن يكفروا به ) أي يتبرؤوا منه . لأنه تحاكم على خلاف ما أنزل الله في كتبه فيعصونه ويطيعون الشيطان ( ويريد الشيطان ) أي من الجن والانس ( أن يضلهم ضلالا بعيدا ) عن الحق والهدى . وقوله : ( ويريد الخ ) عطف على ( يريدون ) داخل في حكم التعجيب . فان اتباعهم لمن يريد اضلالهم واعراضهم عمن يريد هدايتهم ، أعجب من كل عجيب .