فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا} (60)

قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ } فيه تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حال هؤلاء الذين ادعوا لأنفسهم أنهم قد جمعوا بين الإيمان بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو : القرآن ، وما أنزل على من قبله من الأنبياء ، فجاءوا بما ينقض عليهم هذه الدعوى ويبطلها من أصلها ، ويوضح أنهم ليسوا على شيء من ذلك أصلاً ، وهو إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت ، وقد أمروا فيما أنزل على رسول الله ، وعلى من قبله أن يكفروا به ، وسيأتي بيان سبب نزول الآية ، وبه يتضح معناها . وقد تقدّم تفسير الطاغوت ، والاختلاف في معناه . قوله : { وَيُرِيدُ الشيطان } معطوف على قوله : { يُرِيدُونَ } والجملتان مسوقتان لبيان محل التعجب ، كأنه قيل : ماذا يفعلون ؟ فقيل : يريدون كذا ، ويريد الشيطان كذا . وقوله : { ضَلاَلاً } مصدر للفعل المذكور بحذف الزوائد كقوله : { والله أَنبَتَكُمْ منَ الأرض نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] أو مصدر لفعل محذوف دلّ عليه الفعل المذكور ، والتقدير : ويريد الشيطان أن يضلهم فيضلون ضلالاً .

/خ65