الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا} (60)

قوله : ( اَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ يَزْعُمُونَ ) الآية : [ 60-61 ] معناه ألم تعلم بقلبك الذين يزعمون أنهم صدقوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك من الكتاب ، وهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، وقد أمرهم اله أن يكفروا به : أي : بما جاء به الطاغوت( {[12768]} ) .

والطاغوت كل ما عبد من دون الله عز وجل فهو جماعة ، وهو يذكر ويؤنث ، فإذا ذُكِّر ذهب به إلى [ معنى ]( {[12769]} ) الشيطان وإذا أُنِّث ذُهب [ به ] إلى معنى الألوهية( {[12770]} ) ، وإذا جمع ذهب به( {[12771]} ) إلى [ معنى( {[12772]} ) ] الأصنام( {[12773]} ) .

قال الله في التذكير : ( وَقَدُامِرُوا أَنْ يَّكْفُرُوا بِهِ ) فذكر على معنى الشيطان ، وقيل( {[12774]} ) : هو كعب بن الأشرف .

قال الله جل ذكره : ( اجْتَنَبُوا( {[12775]} ) الطَّاغُوتَ أَنْ يَّعْبُدُوهَا )( {[12776]} ) فأنث على معنى الألوهية . وقال في الجمع : ( أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ )( {[12777]} ) فجمع على معنى : أولياؤهم الأصنام( {[12778]} ) .

قوله : ( يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُّضِلَّهُمْ )( {[12779]} ) أن يضلهم أي : يضل هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن الحق أي : يصدهم عنه .

وروي أن هذه الآية نزلت في رجل من المنافقين دعا رجلاً من اليهود في خصومة كانت بينهما ، فكان المنافق يدعوه إلى اليهود لأنه يعلم أنهم يقبلون الرشوة ، واصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن جهينة( {[12780]} ) ليحكم بينهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ، فأنزل الله هذه الآية( {[12781]} ) فقوله : ( يَزْعُمُونَ أَنَّهُمُ ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) يعني به المنافق ( وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ ) يعني به اليهود ( يُرِيدُونَ أَنْ يَّتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ) وهو الكاهن ( وَقَدُامِرُوا أَنْ يَّكْفُرُوا بِهِ ) أمر هذا في كتابه( {[12782]} ) ، وهذا في كتابه أن يكفروا بالكاهن . وقيل : إنهما رجلان من اليهود تخاصما فدعا أحدهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يدعو إلى الكاهن فمضيا ، فأنزل الله هذه الآية .

وقال ابن عباس : كانت اليهود إذا دعيت إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أبوا ، وقالوا : بل نتخاصم إلى كعب بن الأشرف ، فأنزل الله هذه الآية( {[12783]} ) .

وقوله ( ضَلاَلاً ) مصدر لفعل دل عليه ( يُضِلُّهُمْ ) كأنه فيضلهم ( ضَلاَلاً )( {[12784]} ) مثل : ( أَنْبَتَكُمْ مِّنَ الاَرْضِ نَبَاتاً )( {[12785]} ) .


[12768]:- انظر: جامع البيان 5/152.
[12769]:- زيادة يقتضيها السياق.
[12770]:- (ج) (هـ) الإلهية.
[12771]:- ساقط من (أ) (ج) (د).
[12772]:- ساقط من (أ) (ج) (د).
[12773]:- انظر: معاني الزجاج 2/78.
[12774]:- عزاه الطبري لابن عباس 5/154.
[12775]:- (أ) (ج): فاجتنبوا وهو تصحيف.
[12776]:- الزمر آية 16.
[12777]:- البقرة آية 256.
[12778]:- انظر: مجاز القرآن 1/79.
[12779]:- (أ): ويريد الله الشيطان وهو خطأ.
[12780]:- جهينة: حي من قضاعة مساكنهم بين ينبع ويثرب. انظر: معجم البلدان 2/194.
[12781]:- انظر: أسباب النزول: 92، ولباب النقول: 72. يقول المدقق: ليس لهذا الخبر إسناد صحيح، فيقبل أن يقدم الفاروق على قتل أحد دون مشورة النبي صلى الله عليه وسلم وأمره، والله.
[12782]:- (أ): ومنك وهو خطأ.
[12783]:- انظر: جامع البيان 5/153-154.
[12784]:- ساقط من (ج).
[12785]:- نوح آية 17.