ثم إنه تعالى لما أوجب على المكلفين طاعته وطاعة رسوله ، وذكر أن المنافقين الذين في قلوبهم مرض لا يطيعون ولا يرضون بحكمه فقال : { ألم تر إلى الذين يزعمون } الآية . قال الليث : قولهم زعم فلان معناه لا نعرف أنه صدق أو كذب ومنه زعموا مطية الكذب . وقال ابن الأعرابي : الزعم قد يستعمل في القول المحقق لكن المراد في الآية الكذب بالاتفاق . قال أبو مسلم : ظاهر الآية يدل على أن الزاعم كان منافقاً من أهل الكتاب مثل أن يكون يهودياً أظهر الإسلام على سبيل النفاق ، لأن قوله تعالى : { يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } إنما يليق بمثل هذا المنافق .
أما سبب النزول ففيه وجوه . والذي عليه أكثر المفسرين ما رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس " أن رجلاً من المنافقين يسمى بشراً خاصم يهودياً فدعاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال المنافق : بيني وبينك كعب بن الأشرف . وذلك أن اليهودي كان محقاً وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقضي إلا بالحق لجلالة منصبه عن قبول الرشوة ، وكان كعب يبطل الحقوق بالرشا ، فما زال اليهودي بالمنافق حتى ذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي . فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال : ننطلق إلى عمر بن الخطاب . فأقبلا إلى عمر فقال اليهودي : اختصمت أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه يخاصم إليك وتعلق بي فجئت معه . فقال عمر للمنافق : أكذلك ؟ قال : نعم . فقال لهما : مكانكما حتى أخرج إليكما ، فدخل عمر فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد ثم قال : هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله وهرب اليهودي فنزلت الآية . وقالت جبريل : إن عمر فرق بين الحق والباطل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت الفاروق . وعلى هذا الطاغوت كعب بن الأشرف . وقال السدي : " كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم ، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل قرظي نضيرياً قتل به وأخذ ديته مائة وسق من تمر ، وإذا كان بالعكس لم يقتل به وأعصى ديته ستين وسقاً من تمر . وكانت النضير حلفاء الأوس وكانوا أكثر وأشرف من قريظة وهم حلفاء الخزرج . فقتل نضيري قرظياً واختصموا في ذلك . فقال بنو النضير : لا قصاص علينا إنما علينا ستون وسقاً من تمر على ما اصطلحنا عليه . وقالت الخزرج : هذا حكم الجاهلية ونحن وأنتم اليوم إخوة وديننا واحد ولا فضل بيننا . فقال المنافقون : انطلقوا إلى أبي برزة الكاهن الأسلمي . وقال المسلمون : لا بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فأبى المنافقون فانطلقوا إلى أبي برزة ليحكم بينهم فقال : أعظموا اللقمة - يعني الرشوة - فقالوا : لك عشرة أوسق . فقال : لا بل مائة وسق ديتي فإني أخاف إن نفرت النضيري قتلتني قريضة ، وإن نفرت القرظي قتلتني النضير . فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق وأبى أن يحكم بينهم فأنزل الله هذه الآية . فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كاهن أسلم إلى الإسلام فأبى وانصرف فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابنيه : أدركا أباكما فإنه إن جاز عقبة كذا لم يسلم أبداً فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى : ألا إن كاهن أسلم قد أسلم " .
وعلى هذا القول الطاغوت هو الكاهن . وقال الحسن : إنّ رجلاً من المسلمين كان له على رجل من المنافقين حق ، فدعاه المنافق إلى وثن كان أهل الجاهلية يتحاكمون إليه ورجل قائم يترجم الأباطيل عن الوثن ، فالطاغوت ذلك الرجل . وقيل : كانوا يتحاكمون إلى الوثن يضربون القداح بحضرته ، فما خرج على القداح عملوا به فالطاغوت هو الوثن . ثم إن الطاغوت أي شيء كان من الأشياء المذكورة فإنه تعالى جعل التحاكم إليه مقابلاً للكفر به ، لكن الكفر به إيمان بالله وبرسوله فيكون نصاً في تكفير من لم يرض بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم تشككاً أو تمرداً ويؤكده قوله بعد ذلك : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك } الآية . ومن هنا ذهب كثير من الصحابة إلى الحكم بارتداد مانعي الزكاة وقتلهم وسبى ذراريهم . ثم قال : { ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً } فاحتجت المعتزلة به على أن كفر الكافر ليس بخلق الله وإلا لم يتوجه الذم على الشيطان ولم يحصل التعجب والتعجيب فإن لقائل أن يقول : إنما فعلوا لأجل أنك خلقت ذلك الفعل فيهم وأردته منهم بل التعجب من هذا التعجب أولى وقد عرفت الجواب مراراً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.