معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۚ قُلِ ٱللَّهُ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (34)

قوله تعالى : { قل هل من شركائكم } ، أوثانكم { من يبدأ الخلق } ، ينشيء الخلق من غير أصل ولا مثال ، { ثم يعيده } ، ثم يحييه من بعد الموت كهيئته ، فإن أجابوك وإلا ف { قل } أنت : { الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون } ؟ أي : تصرفون عن قصد السبيل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۚ قُلِ ٱللَّهُ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (34)

ثم ساق - سبحانه - أنواعا أخرى من الأدلة على وحدانية الله - تعالى وقدرته . فقال :

{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ . . . }

أى : قل يا محمد لهؤلاء الغافلين عن الحق : هل من شركائكم الذين عبدتموهم من دون الله ، أو أشركتموهم مع الله ، من له القدرة على أن يبدأ خلق الإِنسان من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة . . . ثم ينشئه خلقا آخر ، ثم يعيده إلى الحياة مرى أخرى بعد موته ؟

قل لهم يا محمد : الله وحده هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ، أما شركاؤكم فهم أعجز من أن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له . . .

وإذا كان الأمر كذلك من الوضوح والظهور { فأنى تُؤْفَكُونَ } والإِفك الصرف والقلب عن الشيء . يقال : أفكه عن الشيء يأفكه أفكا ، إذا قلبه عنه وصرفه .

أي فكيف ساغ لكم أن تصرفوا عقولكم عن عبادة الإِله الحق ، إلى عبادة أصنام لا تنفع ولا تضر ؟ !

وجاءت جملة { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ . . . } بدون حرف العطف على ما قبلها للإِيذان باستقلالها في الحصول المطلوب ، وإثبات المقصود .

وساق - سبحانه - الأدلة بأسلوب السؤال والاستفهام ، لأن الكلام إذا كان واضحا جليا ثم ذكر على سبيل الاستفهام ، وتفويض الجواب إلى المسئول كان ذلك أبلغ وأوقع في القلب .

وجعل - سبحانه - إعادة المخلوقات بعد موتها حجة عليهم في التدليل على قدرته مع عدم اعترافهم بها ، للإِيذان بسطوع أدلتها ، لأن القادر على البدء يكون أقدر على الإِعادة كما قال - تعالى - { وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ . . } فلما كان إنكارهم لهذه الحقيقة الواضحة من باب العناد أو المكابرة ، نزل إنكارهم لها منزلة العدم .

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : " فإن قلت : كيف قيل لهم هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده ، وهم غير معترفين بالإِعادة ؟

قلت : قد وضعت إعادة الخلق لظهور برهانها موضع ما إن دفعه دافع كان مكابرا رادا الظاهر البين الذي لا مدخل للشبهة فيه ، ودلالة على أهم في إنكارهم لها منكرون أمرا مسلما معترفا بصحته عند العقلاء . " وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - { قُلِ الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } فأمره بأن ينوب عنهم في الجواب . يعني أنه لا يدعهم لجاجهم ومكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فتكلم أنت عنهم . . "

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۚ قُلِ ٱللَّهُ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (34)

هذا توقيف أيضاً على قصور الأصنام وعجزها ، وتنبيه على قدرة الله عز وجل ، و «بدء الخلق » يريد به إنشاء الإنسان في أول أمره ، و «إعادته » هي البعث من القبور ، و { تؤفكون } معناه : تصرفون وتحرمون ، تقول العرب : أرض مأفوكة إذا لم يصبها مطر فهي بمعنى الخيبة والتلف ، كما قال { والمؤتفكة أهوى }{[6105]} .


[6105]:- الآية (53) من سورة (النجم).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۚ قُلِ ٱللَّهُ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (34)

استئناف على طريقة التكرير لقوله قبله { قل من يرزقكم من السماء والأرض } [ يونس : 31 ] . وهذا مقام تقرير وتعديد الاستدلال ، وهو من دواعي التكرير وهو احتجاج عليهم بأن حال آلهتهم على الضد من صفات الله تعالى فبعد أن أقام عليهم الدليل على انفراد الله تعالى بالرزق وخلق الحواس وخلق الأجناس وتدبير جميع الأمور وأنه المستحق للإلهية بسبب ذلك الانفراد بين هنا أن آلهتهم مسلوبة من صفات الكمال وأن الله متصف بها . وإنما لم يعطف لأنه غرض آخر مستقل ، وموقع التكرير يزيده استقلالاً .

والاستفهام إنكار وتقرير بإنكار ذلك إذ ليس المتكلم بطالب للجواب ولا يسعهم إلا الاعتراف بذلك فهو في معنى نفي أن يكون من آلهتهم من يبدأ الخلق ثم يعيده ، فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يرتقي معهم في الاستدلال بقوله : { اللّهُ يبدأ الخلق ثم يعيده } فصار مجموع الجملتين قصراً لصفة بَدْء الخلق وإعادته على الله تعالى قصرَ إفراد ، أي دون شركائكم ، أي فالأصنام لا تستحق الإلهية والله منفرد بها .

وذكر إعادة الخلق في الموضعين مع أنهم لا يعترفون بها ضَرب من الإدماج في الحجاج وهو فن بديع .

وإضافة الشركاء إلى ضمير المخاطبين تقدم وجهه آنفاً عند قوله : { مكانكم أنتم وشركاؤكم } [ يونس : 28 ] .

وقوله : { فأنى تؤفكون } كقوله : { فأنى تصرفون } [ يونس : 32 ] . وأفكهُ : قلبه . والمعنى : فإلى أي مكان تقلبون . والقلب مجازي وهو إفساد الرأي . و ( أنى ) هنا استفهام عن مكان مجازي شبهت به الحقائق التي يُحول فيها التفكير . واستعارة المكان إليها مثل إطلاق الموضوع عليها والمجال أيضاً .