فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۚ قُلِ ٱللَّهُ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (34)

قوله : { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } أورد سبحانه في هذا حجة خامسة على المشركين ، أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقولها لهم ، وهم وإن كانوا لا يعترفون بالمعاد ، لكنه لما كان أمراً ظاهراً بيناً ، وقد أقام الأدلة عليه في هذه السورة على صورة لا يمكن دفعها عند من أنصف ، ولم يكابر ، كان كالمسلم عندهم الذي لا جحد له ولا إنكار فيه ، ثم أمره سبحانه أن يقول لهم : { قُلِ الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ فأنى تُؤْفَكُونَ } أي : هو الذي يفعل ذلك لا غيره ، وهذا القول الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، عن أمر الله سبحانه له هو نيابة عن المشركين في الجواب ، إما على طريق التلقين لهم ، وتعريفهم كيف يجيبون ، وإرشادهم إلى ما يقولون ، وإما لكون هذا المعنى قد بلغ في الوضوح إلى غاية لا يحتاج معها إلى إقرار الخصم ، ومعرفة ما لديه ، وإما لكون المشركين لا ينطقون بما هو الصواب في هذا الجواب ، فراراً منهم عن أن تلزمهم الحجة ، أو أن يسجل عليهم بالعناد والمكابرة إن حادوا عن الحق ، ومعنى : { فأنى تُؤْفَكُونَ } فكيف تؤفكون ، أي تصرفون عن الحق وتنقلبون منه إلى غيره .

/41