البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۚ قُلِ ٱللَّهُ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (34)

لما استفهمهم عن أشياء من صفات الله تعالى واعترفوا بها ، ثم أنكر عليهم صرفهم عن الحق وعبادة الله ، استفهم عن شيء هو سبب العبادة : وهو إبداء الخلق ، وهم يسلمون ذلك .

{ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } ثم أعاد الخلق وهم منكرون ذلك ، لكنه عطفه على يسلمونه ليعلم أيهما سواء بالنسبة إلى قدرة الله ، وأنّ ذلك لوضوحه وقيام برهانه ، قرن بما يسلمونه إذ لا يدفعه إلا مكابر ، إذ هو من الواضحات التي لا يختلف في إمكانها العقلاء .

وجاء الشرع بوجوبه ، فوجب اعتقاده .

ولما كانوا لمكابرتهم لا يقرون بذلك أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيب فقال : قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده ، وأبرز الجواب في جملة مبتدأة مصرح بخبرها ، فعاد الخبر فيها مطابقاً لخبر اسم الاستفهام ، وذلك تأكيد وتثبيت .

ولما كان الاستفهام قبل هذا لا مندوحة لهم عن الاعتراف به ، جاءت الجملة محذوفاً منها أحد جزءيها في قوله : فسيقولون الله ، ولم يحتج إلى التأكيد بتصريح خبرها .

ومعنى تؤفكون تصرفون وتقلبون عن اتباع الحق .