روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۚ قُلِ ٱللَّهُ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (34)

{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يبدأ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } احتجاج آخر على حقية التوحية وبطلان الاشراك ، ولم يعطف إيذاناً باستقلاله في إثبات المطلوب ، والسؤال للتبكيت والإلزام ، وجعل سبحانه الإعادة لسطوع البراهين القائمة عليها بمنزلة البدء في إلزامهم ولم يبال بإنكارهم لها لأنهم مكابرون فيه والمكابر لا يلتفت إليه فلا يقال : إن مثل هذا الاحتجاج إنما يتأتى على من اعترف بأن من خواص الإلهية بدء الخلق ثم إعادته ليلزم من نفيه عن الشركاء نفي الإلهية وهم غير مقرين بذلك ، ففي الآية الإشارة إلى أن الإعادة أمر مكشوف ظاهر بلغ في الظهور والجلاء بحيث يصح أن يثبت فيه دعوى أخرى ، وجعل ذلك الطيبي من صنعة الادماج كقول ابن نباتة :

فلا بد لي من جهلة في وصاله . . . فمن لي بخل أودع الحلم عنده

فقد ضمن الغزل الفخر بكونه حليماً والفخر شكاية الإخوان { قُلِ الله يبدأ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } قيل هو أمر له صلى الله عليه وسلم بأن يبين لهم من يفعل ذلك أي قل لهم الله سبحانه هو يفعلهما لا غيره كائناً ما كان لا بأن ينوب عليه الصلاة والسلام عنهم في الجواب كما قاله غير واحد لأن المقول المأمور به غير ما أريد منهم من الجواب وإن كان مستلزماً له إذ ليس المسؤول عنه من يبدأ الخلق ثم يعيده كما في قوله سبحانه : { قُلْ مَن رَّبُّ * السموات والارض * قُلِ الله } [ الرعد : 16 ] حتى يكون القول المأمور به عين الجواب الذي أريد منهم ويكون صلى الله عليه وسلم نائباً عنهم في ذلك بل إنما هو وجود من يفعل البدء والإعادة من شركائهم فالجواب المطلوب منهم لا لا غير .

نعم أمر صلى الله عليه وسلم بأن يضمنه مقالته إيذاناً بتعينه وتحتمه وإشعاراً بأنهم لا يجترئون على التصريح به مخافة التبكيت والقام الحجر لا مكابرة ولجاجاً انتهى ، وقد يقال : المراد من قوله سبحانه : { هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ } الخ هل المبدىء المعيد الله أم الشركاء ، والمراد من قوله سبحانه جل شأنه : { الله يبدأ } الخ الله يبدأ ويعيد لا غيره من الشركاء وحينئذٍ ينتظم السؤال والجواب وانفهام الحصر بدلالة الفحوى فإنك إذا قلت : من يهب الألوف زيد أم عمرو فقيل : زيد يهب الألوف أفاد الحصر بلا شبهة .

وبما ذكر يعلم ما في الكلام السابق في الرد على ما قاله الجمع وكذا رد ما قاله القطب من أن هذا لا يصلح جواباً عن ذلك السؤال لأن السؤال عن الشركاء وهذا الكلام في الله تعالى بل هو الاستدلال على الهيته تعالى وإنه الذي يستحق العبادة بأنه المبدىء المعيد بعد الاستدلال على نفي الهية الشركاء فتأمل ، وفي إعادة الجملة في الجواب بتمامها غير محذوفة الخبر كما في الجواب السابق لمزيد التأكيد والتحقيق { فأنى تُؤْفَكُونَ } الإفك الصرف والقلب عن الشيء يقال : أفكه عن الشيء يأفكه أفكاً إذا قلبه عنه وصرفه ، ومنه قول عروة بن أذينة

: إن تك عن أحسن الصنيعة مأ . . . فوكاً ففي آخرين قد أفكوا

وقد يخص كما في «القاموس » بالقلب عن الرأي ولعله الأنسب بالمقام أي كيف تقلبون من الحق إلى الباطل والكلام فيه كما تقدم في { فأنى تُصْرَفُونَ } [ يونس : 23 ] .