فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۚ قُلِ ٱللَّهُ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (34)

{ قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده } أورد سبحانه في هذا حجة سادسة على المشركين وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقولها لهم وهم وإن كانوا لا يعترفون بالمعاد لكنه لما كان أمرا ظاهرا بينا وقد أقام الأدلة عليه في هذه السورة على صورة لا يمكن دفعها عند من أنصف ولم يكابر كان كالمسلم عندهم الذي لا جحد له ولا إنكار فيه .

هل من هذه الأصنام والأموات التي تزعمون إنها آلهة من يقدر على أن ينشئ الخلق من العدم على غير مثال سبق ثم يعيده بعد الموت في القيامة كهيئته أول مرة للجزاء .

وهذا السؤال استفهام إنكار ، وإنما لم يعطف على ما قبله إيذانا باستقلاله في إثبات المطلوب وعبارة أبي السعود هذا احتجاج آخر على حقية التوحيد وبطلان الإشراك بإظهار كون شركائهم بمعزل عن استحقاق الألوهية ببيان اختصاص خواصها من بدء الخلق وإعادته به تعالى . 1ه .

والحاصل أنه لا يقال أن الكفار ينكرون الإعادة والبعث فكيف يحتج عليهم بها لأن إلزام الخصم كما يصح بما يعترف به يصح أيضا بما تبينت وثبتت حقيته لقوة برهانه فلذا جعل الإعادة كالبدء في الإلزام لظهور برهانها وإن لم يعترفوا بها .

ولذلك أمر الرسول أن ينوب عنهم في الجواب كما قال سبحانه { قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده } أي هو الذي يفعل ذلك لا غيره ، وهذا القول الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر الله سبحانه له نيابة عن المشركين في الجواب كما تقدم إما عن طريق التلقين لهم وتعريفهم كيف يجيبون وإرشادهم إلى ما يقولون وإما لكون هذا المعنى قد بلغ في الوضوح إلى غاية يحتاج معها إلى إقرار الخصم ومعرفة ما لديه وإما لكون المشركين لا ينطقون بما هو الصواب في هذا الجواب فرارا منهم عن أن تلزمهم الحجة أو أن يسجل عليهم بالمكابرة إن حادوا عن الحق .

{ فأنى تؤفكون } أي فكيف تصرفون عن الحق وتنقلبون منه إلى غيره والمراد التعجب من أحوالهم .