اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۚ قُلِ ٱللَّهُ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (34)

قوله - تعالى - { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } الآية . هذه هي الحجَّة الثانية عليهم .

فإن قيل : القوم كانوا منكرين الإعادة ، والحشر ، والنشر ، فكيف احتجَّ عليهم بذلك ؟

فالجواب : أنَّه - تعالى - قدَّم في هذه السورة ما يدلُّ عليه ، وهو وجوب التمييز بين المُحْسِن والمُسيءِ ، وهذه الدَّلالة دلالةٌ ظاهرةٌ قويَّة ، لا يمكن للعاقل دفعها ؛ فلأجْلِ قُوَّتها ، وظهورها تمسَّك بها ، سواء الخَصْم عليها ، أو لا .

فإن قيل : لِمَ أمر رسوله أن يعترف بذلك ، والإلزام إنَّما يحصلُ لو اعترف الخصمُ به ؟ .

فالجوابُ : أنَّ الدَّليل لمَّا كان ظاهراً جليّاً ، فإذا أورد على الخَصْم في معرض الاستفهام ، كأنَّه بنفسه يقول : الأمر كذلك ، فكان هذا تنبيهاً ، على أنَّ هذا الكلام بلغ في الوُضوح ، إلى حيث لا حاجة فيه إلى إقرار الخصم به ، وأنَّه سواء أقرَّ ، أو أنكَرَ ، فالأمرُ متقرِّر ظاهرٌ .

قوله : { قُلِ الله يَبْدَأُ الخلق } : هذه الجملةُ جوابٌ لقوله : { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } ، وإنَّما أتى بالجواب جملة اسمية ، مصرَّحاً يجزأيها ، مُعَاداً فيها الخبر ، مطابقاً لخبر اسم الاستفهام ؛ للتأكيد ، والتَّثبيتِ ، ولمَّا كان الاستفهام قبل هذا ، لا مندوحة لهُم عن الاعتراف به ، جاءت الجملةُ محذوفاً منها أحدُ جزأيها ، في قوله : { فَسَيَقُولُونَ الله } [ يونس : 31 ] ، ولم يَحْتَجْ إلى التَّأكيد بتصريح جزأيها .

فصل

قال القرطبيُّ : ومعنى الآية : { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخلق } ينشئه من غير أصل ، ولا سبق مثال : " ثُمَّ يُعِيدُهُ " : يُحْييه بعد الموت كهَيْئتِهِ ، فإن أجابُوك ، وإلاَّ ف { قُلِ الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } ، ثم قال : { فأنى تُؤْفَكُونَ } أي : تصرفون عن قصد السَّبيل ، والمُراد : التَّعجُّب منهم في الدُّنْيَا من هذا الأمر الواضح الذي دعاهُم الهوى والتَّقليد إلى مخالفته ؛ لأنَّ الإخبار عن كون الأوثان آلهةً كذب ، وإفكٌ الاشتغال بعبادتها ، مع أنَّها لا تستحق العبادة أيضاً إفكٌ .