قوله تعالى : { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } قال ابن عباس : يريد الذين يتجبرون على عبادي ويحاربون أوليائي ، حتى لا يؤمنوا بي ، يعني : سأصرفهم عن قبول آياتي والتصديق بها عوقبوا بحرمان الهداية لعنادهم للحق ، كقوله { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم } . قال سفيان بن عيينة : سأمنعهم فهم القرآن . قال ابن جريج : يعني عن خلق السموات والأرض وما فيهما ، أصرفهم عن أن يتفكروا فيها ، ويعتبروا بها . وقيل : حكم الآية لأهل مصر خاصة ، وأراد بالآيات الآيات التسع التي أعطاها الله تعالى موسى عليه السلام . والأكثرون على أن الآية عامة .
قوله تعالى : { وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا } يعني هؤلاء المتكبرون . قوله تعالى : { سبيل الرشد } قرأ حمزة والكسائي ( الرشد ) بفتح الراء والشين ، والآخرون بضم الراء وسكون الشين ، وهما لغتان كالسقم والسقم ، والبخل والبخل ، والحزن والحزن ، وكان أبو عمرو يفرق بينهما ، فيقول : الرشد بالضم الصلاح في الأمر ، وبالفتح الاستقامة في الدين . ومعنى الآية : وإن يروا طريق الهدى والسداد .
قوله تعالى : { لا يتخذوه } لأنفسهم .
قوله تعالى : { وإن يروا سبيل الغي } أي طريق الضلال .
قوله تعالى : { يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين } عن التفكر فيها ، والاتعاظ بها ، غافلين ساهين .
ثم بين - سبحانه - عاقبة من يتكبرون في الأرض بغير الحق فقال - تعالى - : { سَأَصْرِفُ عَنْ . . . } .
قوله - تعالى - { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق } استئناف مسوق لبيان أن أعداء دعاة الحق هم المستكبرون ، لأن من شأن التكبر أن يصرف أهله عن النظر والاستدلال عى وجوه الخير . ومعنى صرف هؤلاء المتكبرين عن الانتفاع بآيات الله وحججه ، منعهم عن ذلك بالطبع على قلوبهم لسوء استعدادهم لا يتفكرون ولا يتدبرون ولا يعتبرون .
أى : سأطبع على قلوبهم هؤلاء الذين يعدون أنفسهم كبراء ، ويرون أنفسهم أنهم أعلى شأناً من غيرهم ، مع أنهم أجهل الناس عقلا ، وأتعسهم حالا .
وقوله { بِغَيْرِ الحق } صلة للتكبر على معنى يتكبرون ويتطاولون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل ، وسفههم المفرط ، أو متعلق بمحذوف هو حال من فاعله ، أى يتكبرون متلبسين بغير الحق .
ثم بين - سبحانه - ما هم عليه من عناد وجحود فقال : { وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا } أى : وأن يروا كل آية من الآيات التي تهدى إلى لاحق وترشد إلى الخير لا يؤمنوا بها لفساد قلوبهم ، وحسدهم لغيرهم على ما آتاه الله من فضله ، وتكبرهم على الناس . والجلمة الكريمة معطوفة على جملة { يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق } داخلة معها في حكم الصلة .
والمقصود بالآية إما المنزلة فيكزن المراد برؤيتها مشاهدتها والإحساس بها عن طريق السماع . وإمَّا ما يعمها وغيرها من المعجزات ، فيكون المراد برؤيتها مطلق المشاهدة المنتظمة للسماع والإبطار .
{ وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد } أى : الصلاح والاستقامة والسداد { لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } أى : لا يتوجهون إليه ولا يسلكونه لمخالفته لأهوائهم وشهواتهم { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي } أى : طريق الضلال عن الحق { يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } أى : طريقاً يميلون إليه ، ويسيرون فيه بدون تفكر أو تدبر . وهذا شأن من مرد على الضلال ، وانغمس في الشرور والآثام . إنه لإلفه المنكرات صار الحسن عنده قبيحا والقبيح حسنا ، وصدق الله إذ يقول : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً } ثم ختم - سبحانه - الآية ببيان الأسباب التي أدت بهم إلى هذا الضلال العجيب فقال - تعالى - : { ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } أى : ذلك المذكور من التكبر وعدم الإيمان بشىء من الدلائل الدالة على الحق وإعراضهم عن سبيل الهدى . وإقبالهم التام على طريق الغواية ، كائن بسبب أنهم كذبوا بآياتنا الدالة على بطلان ما هم عليه من أباطيل ، وبسبب أنهم كانوا عن هذه الآيات غافلين لاهين لا يتفكرون فيها ، ولا يعتبرون بما اشتملت عليه من عظات .
فالله - تعالى - لم يخلقهم مطبوعين على شىء مما ذكر طبعاً ، ولم يجبرهم ويكرههم عليه إكراهاً ، بل كان ذلك بكسبهم واختيارهم للتكذيب بآياته الدالة على الحق .
واسم الإشارة { ذلك } مبتدأ ، وخبره الجار والمجرور بعده ، أى : ذلك الصرف بسبب تكذيبهم .
المعنى سأمنع وأصد ، وقال سفيان بن عيينة : الآيات هنا كل كتاب منزل .
قال القاضي أبو محمد : فالمعنى عن فهمها وتصديقها ، وقال ابن جريج : الآيات العلامات المنصوبة الدالة على الوحدانية .
قال القاضي أبو محمد : فالمعنى عن النظر فيها والتفكير والاستدلال بها ، واللفظ يعم الوجهين ، والمتكبرون بغير حق في الأرض هم الكفرة ، والمعنى في هذه الآية سأجعل الصرف عن الآيات عقوبة للمتكبرين على تكبرهم ، وقوله { وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها } حتم من الله عز وجل على الطائفة التي قدر ألا يؤمنوا ، وقراءة الجمهور : «يرَوا » بفتح الياء قرأها ابن كثير وعاصم ونافع وأبو جعفر وشيبة وشبل وابن وثاب وطلحة بن مصرف وسائر السبعة ، وقرأها مضمومة الياء مالك بن دينار ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر «الرشد » ، وقرأ ابن عامر في بعض ما روي عنه وأبو البرهشم «الرُّشد » بضم الراء والشين وقرأ حمزة والكسائي على أن «الرُّشد » بضم الراء وسكون الشين «الرَّشد » بفتحهما الدين ، وأما قراءة ابن عامر بضمهما فأتبعت الضمة الضمة ، وقرأ ابن أبي عبلة «لا يتخذوها وتتخذوها » على تأنيث «السبيل » ، والسبيل تؤنث وتذكر ، وقوله { ذلك } إشارة إلى الصرف أي صرفنا إياهم وعقوبتنا لهم هي بكفرهم وتكذيبهم وغفلتهم عن النظر في الآيات والوقوف عند الحجج ، ويحتمل أن يكون ذلك خبر ابتداء تقديره : الأمر ذلك ، ويحتمل أن يكون في موضع نصب بفعل تقديره فعلنا ذلك .
يجوز أن تكون هذه الآية تكملة لما خاطب الله به موسى وقومه ، فتكون جملة { سأصرف } الخ بأسهم ، استئنافاً بيانياً ، لأن بني إسرائيل كانوا يهابون أولئك الأقوام ويخْشوْن ، فكأنهم تساءلوا كيف تُرينا دارهم وَتعدُنا بها ، وهلْ لا نهلك قبل الحلول بها ، كما حكى الله عنهم { قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبّارين } الآية في سورة العقود ( 22 ) وقد حكى ذلك في الإصحاح الرابع عشر من سفر العدد ، فاجيبوا بأن الله سيصرف أولئك عن آياتِه .
والصرف الدفع أي سَأَصُدُّ عن آياتي ، أي عن تعطيلها وإبطالها .
والآيات الشريعة ، ووعد الله أهلها بأن يورثهم أرض الشام ، فيكون المعنى سأتَوَلّى دفعهم عنكم ، ويكون هذا مثل ما ورد في التوراة في الإصحاح الرابع والثلاثين « ها أنا طاردٌ من قُدَّامِك الأُموريين الخ » ، فالصرف على هذا الوجه عناية من الله بموسى وقومِه بما يُهيء لهم من أسباب النصر على أولئك الأقوام الأقوياء ، كإلقاء الرعببِ في قلوبهم ، وتشتيت كلمتهم ، وإيجاد الحوادث التي تفت في ساعد عُدتهم أو تكونُ الجملة جواباً لسؤال من يقول : إذا دخلنا أرض العدو فلعلهم يؤمنون بهدينا ، ويتبعون ديننا ، فلا نحتاج إلى قتالهم ، فأجيبوا بأن الله يَصرفهم عن إتباع آياته ؛ لأنهم جُبلوا على التكبر في الأرض ، والإعراضِ عن الآيات ، فالصرف هنا صرف تكويني في نفوس الأقوام ، وعن الحسن : أن من الكفار من يبالغ في كفره وينتهي إلى حد إذا وصل إليه مَات قلبه .
وفي قَصِّ الله تعالى هذا الكلامَ على محمد صلى الله عليه وسلم تعريض بكفار العرب بأن الله دافِعُهم عن تعطيل آياته ، وبأنه مانع كثيراً منهم عن الإيمان بها لما ذكرناه آنفاً .
ويجوز أن تكون جملة { سأصرف عن آياتي } من خطاب الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم رَوى الطبري ذلك عن سفيان بن عيينة ، فتكون الجملة معترضة في أثناء قصة بني إسرائيل بمناسبة قوله : { سأُريكم دار الفاسقين } [ الأعراف : 145 ] تعريضاً بأن حال مشركي العرب كحال أولئك الفاسقين ، وتصريحاً بسبب إدامتهم العناد والإعراض عن الإيمان ، فتكون الجملة مستأنفة استينافاً ابتدائياً ، وتأتي في معنى الصرف عن الآيات الوجوه السابقة واقتران فعل { سأصرف } بسين الاستقبال القريب تنبهه على أن الله يُعجل ذلك الصرف .
وتقديم المجرور على مفعول { أصرف } للاهتمام بالآيات ، ولأن ذكره عقب الفعل المتعلق هو به أحسنُ .
وتعريف المصروفين عن الآيات بطريق الموصولية للإيماء بالصلة إلى علة الصرف . وهي ما تضمنته الصلات المذكورة ، لأن من صارت تلك الصفات حالات له يَنصره الله ، أو لأنه إذا صار ذلك حاله رين على قلبه ، فصرف قلبه عن إدراك دلالة الآيات وزالت منه الأهلية لذلك الفهم الشريف .
والأوصاف التي تضمنتها الصلات في الآية تنطبق على مشركي أهل مكة أتَمّ الانطباق .
والتكبر الاتصاف بالكبر . وقد صيغ له الصيغة الدالة على التكلف ، وقد بينا ذلك عند قوله تعالى : { أبَى واستكبر } [ البقرة : 34 ] وقوله : { استكْبرتم } في سورة البقرة ( 87 ) ، والمعنى : أنهم يُعْجبَون بأنفسهم ، ويعُدون أنفسهم عظماءَ فلا يأتمرون لآمر ، ولا ينتصحون لناصح .
وزيادة قوله : { في الأرض } لتفضيح تكبرهم ، والتشهير بهم بأن كبرهم مظروف في الأرض ، أي ليس هو خفياً مقتصراً على أنفسهم ، بل هو مبثوث في الأرض ، أي مبثوث أثره ، فهو تكبر شائع في بقاع الأرض كقوله : { يبغون في الأرض بغير الحق } [ يونس : 23 ] وقوله : { ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون } [ البقرة : 27 ] وقوله : { ولا تمش في الأرض مَرحاً } [ الإسراء : 37 ] وقولُ مرة بن عَدّاءَ الفقعسي :
فهلاّ أعدوني لِمثلي تفاقَدوا *** وفي الأرْض مبثوثٌ شجاعٌ وعقرب
وقوله : { بغير الحق } زيادة لتشنيع التكبر بذكر ما هو صفة لازمة له ، وهو مغايرة الحق ، أي : باطل وهي حال لازمة للتكبر ، كاشفة لوصفه ، إذ التكبر لا يكون بحق في جانب الخلق ، وإنما هو وصف لله بحق ؛ لأنه العظيم على كل موجود ، وليس تكبر الله بمقصود أن يحترز عنه هنا حتى يجعل القيد { بغير الحق } للاحتراز عنه ، كما في « الكشاف » .
ومن المفسرين من حاول جعل قوله : { بغير الحق } قيداً للتكبر ، وجعل من التكبر ما هو حق ، لأن للمحق أن يتكبر على المبطل ، ومنه المقالة الشمهورة « الكِبْر على المتكبر صدقة » وهذه المقالة المستشهد بها جرت على المجاز أو الغلط .
وقوله : { وإن يَروا كل آية لا يؤمنوا بها } عطف على قوله : { يتكبرون } فهو في حكم الصلة ، والقول فيه كالقول في قوله : { لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية } في سورة يونس ( 96 ، 97 ) وكل مستعملة في معنى الكثرة ، كما تقدم في قوله تعالى : { ولئن أتيتَ الذين أوتوا الكتاب بكل آية } في سورة البقرة ( 145 ) .
والسبيل مستعار لوسيلة الشيء بقرينة إضافته إلى الرشد وإلى الغي . والرؤية مستعارة للإدراك .
والاتخاذ حقيقته مطاوع أخّذه بالتشديد ، إذا جعله آخذاً ، ثم أطلق على أخذ الشيء ولو لم يعطه إياه غيرُه ، وهوَ هنا مستعار للملازمة ، أي لا يلازمون طريق الرشد ، ويلازمون طريق الغي .
والرشد الصلاح وفعل النافع ، وقد تقدم في قوله تعالى : { فإن آنستم منهم رشداً } في سورة النساء ( 6 ) والمراد به هنا : الشيء الصالح كله من الإيمان والأعمال الصالحة .
والغي الفساد والضلال ، وهو ضد الرشد بهذا المعنى ، كما أن السفه ضد الرشد بمعنى حسن النظر في المال ، فالمعنى : أن يدركوا الشيءَ الصالح لم يعملوا به . لغلبة الهوى على قلوبهم ، وإن يدركوا الفساد عملوا به لغلبة الهوى ، فالعمل به حمل للنفس على كلفة ، وذلك تأباه الأنفس التي نشأت على متابعة مَرغوبها ، وذلك شأن الناس الذين لم يروّضوا أنفسهم بالهدى الإلهي ، ولا بالحكمة ونصائح الحكماء والعقلاء ، بخلاف الغي ، فإنه ما ظهر في العالم إلاّ من آثار شهوات النفوس ودعواتها التي يزيَن لها الظاهر العاجل ، وتجهل عواقب السوء الآجلة ، كما جاء في الحديث : { حفّت الجنة بالمكاره وُحفّت النار بالشهوات } .
والتعبير في الصلات الأربع بالأفعال المضارعة : لإفادة تجدد تلك الأفعال منهم واستمرارهم عليها .
وقرأ الجمهور : { الرُشد } بضم فسكون وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف : بفتحتين ، وهما لغتان فيه .
وجملة : { ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا } مستأنفة استئنافاً بيانياً ، لأن توسيمهم بتلك الصلات يثير سؤالاً .
والمشار إليه بذلك ما تضمنه الكلام السابق ، نُزّل منزلة الموجود في الخارج وهو ما تضمنه قوله : { سأصرف عن آياتي } إلى آخر الآية ، واستعمل له اسم إشارة المفرد ؛ لتأويل المشار إليه بالمذكور كقوله تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلاّ بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } [ الفرقان : 68 ] أي من يفعل المذكور ، وهذا الاستعمال كثير في اسم الإشارة ، وألحق به الضمير كما تقدم في قوله تعالى : { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله } في سورة البقرة ( 61 ) .
والباء السببية أي : كِبْرُهم . وعدمُ إيمانهم ، واتباعُهم سبيل الغي ، وإعراضُهم عن سبيل الرشد سببه تَكذيبهم بالآيات ، فأفادت الجملة بيان سبب الكبر ، وما عطف عليه من الأوصاف التي هي سبب صرفهم عن الآيات ، فكان ذلك سبب السبب ، وهذا أحسن من إرجاع الإشارة إلى الصرف المأخوذة من { سأصرف } لأن هذا المحمل يجعل التكذيب سبباً ثانياً للصرف ، وجعله سبباً للسبب أرشق .
واجتلبت ( أن ) الدالة على المصدرية والتوكيد ؛ لتحقيق هذا التسبب وتأكيده ، لأنه محل عرابة .
وجعل المسند فعلاً ماضياً ، لإفادة أن وصف التكذيب قديم راسخ فيهم ، فكان رسوخ ذلك فيهم سبباً في أن خُلق الطبعُ والختمُ على قلوبهم فلا يشعرون بنقائصهم ، ولا يصلحون أنفسهم ، فلا يزالون متكبرين معرضين غاوين .
ومعنى { كذبوا بآياتنا } إنهم ابتدأوا بالتكذيب ، ولم ينظروا ، ولم يهتموا بالتأمل في الآيات فداموا على الكبر وما معه ، فصرف الله قلوبهم عن الانتفاع بالآيات ، وليس المراد الإخبار بأنهم حصل منهم التكذيب ، لأن ذلك قد علم من قوله : { وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها } .
والغفلة انصراف العقل والذهن عن تذكر شيء بقصدٍ أو بغير قصد ، وأكثر استعماله في القرآن فيما كان عن قصد بإعراض وتشاغل ، والمذموم منها ما كان عن قصد ، وهو مناط التكليف والمؤاخذة ، فأما الغفلة عن غير قصد فلا مؤاخذة عليها ، وهي المقصود من قول علماء أصول الفقه : يمتنع تكليف الغافل .
وللتنبيه على أن غفلتهم عن قصد صيغ الإخبار عنهم بصيغة { كانوا عنها غافلين } للدلالة على استمرار غفلتهم . وكونها دأباً لهم ، وإنما تكون كذلك إذا كانوا قد التزموها ، فأما لو كانت عن غير قصد . فإنها قد تعتريهم وقد تفارقهم .