السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{سَأَصۡرِفُ عَنۡ ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَإِن يَرَوۡاْ كُلَّ ءَايَةٖ لَّا يُؤۡمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلرُّشۡدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلۡغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗاۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ} (146)

{ سأصرف عن آياتي } المنصوبات في الآفاق والأنفس كغلق السماوات والأرض وما بينهما { الذين يتكبرون في الأرض } أي : أصرفها عنهم بالطبع على قلوبهم فلا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها ، وقال سفيان بن عيينة : سأمنعهم فهم القرآن ، وقوله تعالى : { بغير الحق } صلة يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل فإن إظهار الكبر على الغير قد يكون بالحق فإن للمحق أن يتكبر على المبطل وفي الكلام المشهور : التكبر على المتكبر صدقة { وإن يروا كل آية } أي : منزلة أو معجزة { لا يؤمنوا بها } أي : لعنادهم وتكبرهم { وإن يروا سبيل } أي : طريق { الرشد } أي : الهدى الذي جاء من عند الله { لا يتخذوه سبيلاً } أي : طريقاً يسلكونه بقصد منهم ونظر وتعمد بل إن سلكوه فعن غير قصد . وقرأ حمزة والكسائي بفتح الراء والشين والباقون بضمّ الراء وسكون الشين { وإن يروا سبيل الغيّ } أي : الضلال { يتخذوه سبيلاً } أي : بغاية الشهوة والتعمد والاعتماد لسلوكه { ذلك } أي : هذا الصرف العظيم الذي زاد عن مطلق الصرف بالعمى عن الإيمان واتخاذ الرسالة { بأنهم } أي : بسبب أنهم { كذبوا بآياتنا } أي : الدالة على وحدانيتنا { وكانوا عنها غافلين } أي : كان دأبهم وديدنهم معاملتهم إيانا بالإعراض عنها حتى كأنها مغفول عنها فلا يفكرون فيها ولا يعتبرون بها غفلة وانهماكاً فيما يشغلهم عنها من شهواتهم ، وعن الفضيل بن عياض ذكر لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا عظمت أمّتي الدنيا نزع عنها هيبة الإسلام وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت عليهم بركة الوحي ) .