ثم ذكر ما به يعامل الفاسقين المتكبرين فقال { سأصرف عن آياتي } الآية . فاحتجت الأشاعرة بها على أنه تعالى قد يمنع عن الإيمان ويصرف عنه . وقال الجبائي : قوله { سأصرف } للاستقبال والمصروفون موصوفون بالتكبر والانحراف عن الطريق المستقيم في الزمان الماضي ، فعلم أن المراد من هذا الصرف ليس هو الكفر . وأيضاً الصرف مذكور على وجه العقوبة على التكبر والاعتساف ولا تكون العقوبة عين المعاقب عليه فوجب تأويل الآية . وقال الكعبي وأبو مسلم الأصفهاني : إن هذا الكلام تمام لما وعد الله به موسى من النصرة والعصمة أي أصرفهم عن آياتي فلا يقدرون على منعك من تبليغها كما قال في حق نبينا صلى الله عليه وسلم { بلغ ما أنزل إليك } إلى قوله { والله يعصمك من الناس } [ المائدة : 67 ] وقيل : سأصرف هؤلاء المتكبرين عن نيل ما في آياتي من العز والكرامة المعدَّة للأنبياء والمؤمنين ، فيكون ذلك الصرف المستلزم للإذلال والإهانة جارياً مجرى العقوبة على كفرهم وتكبرهم على الله تعالى . وقيل : إن من الآيات آيات لا يمكن الانتفاع بها إلا بعد سبق الإيمان فإذا كفروا فقد صيروا أنفسهم بحيث لا يمكنهم الانتفاع بما بعد ذلك فحينئذ يصرفهم الله تعالى عنها . وبوجه آخر إن الله تعالى إذا علم من حال بعضهم أنه إذا شاهد تلك الآيات فإنه لا يستدل بها بل يستخف بها ولا يقوم بحقها ، فإذا علم الله تعالى ذلك صح أن يصرفهم عنها ، أو عن الحسن : إن من الكفار من يبالغ في كفره وينتهي إلى الحد الذي إذا وصل إليه مات قلبه وهي بالطبع والخذلان ، فالمراد بالمصروفين هؤلاء . وعن رسول صلى الله عليه وسلم : «إذا عظمت أمتي الدنيا نزع عنها هيبة الإسلام وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي » قوله { بغير الحق } أما أن يكون حالاً بمعنى يتكبرون غير محقين لأن التكبير بالحق لله وحده ، إذ لا كمال فوق كماله فله إظهار العظمة والكبرياء على كل من سواه ، وإما أن يكون صلة للفعل أي يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الذي لا أصل له ، ومنه يعلم أن للمحق أن يتكبر على المبطل كما قيل : التكبر على المتكبر صدقة .
والرشد طريق الهدى والحق والصواب كلاهما واحد قاله الكسائي ، وفرق أبو عمرو فقال : الرشد بضم الراء الصلاح لقوله { فإن آنستم منهم رشد } [ النساء : 6 ] وبفتحتين الاستقامة في الدين قوله تعالى { مما علمت رشداً } [ الكهف : 66 ] وسبيل الغي ضد ما ذكرنا . ثم بين أن ذلك الصرف وتعكيس القضية إنما كان الأمرين : كونهم مكذبين بآيات الله ، وكونهم غافلين عنها ، ومحل ذلك الرفع على الابتداء أو النصب على معنى صرفهم الله ذلك الصرف بسبب أنهم كذا وكذا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.