تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{سَأَصۡرِفُ عَنۡ ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَإِن يَرَوۡاْ كُلَّ ءَايَةٖ لَّا يُؤۡمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلرُّشۡدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلۡغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗاۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ} (146)

الآية 146 وقوله تعالى : { سأصرف عن آياتي } الآية يخرّج هذا وجهين :

أحدهما : سأصرفهم عن قبولها وتصديقها إذا{[8958]} لم يستقبلوها بالتعظيم لها . بل استهزؤوا بها ، واستخفّوا بها على علم منهم أنها آيات من الله وحجّة . والثاني : { سأصرف عن } وجود الطعن والقدح فيها والكيد لها .

ثم إن كل{[8959]} واحد من هذين الوجهين يتوجه على وجهين :

[ أحدهما : ما ]{[8960]} قال الحسن : إن للكفر حدّا{[8961]} إذا بلغ الكافر ذلك الحد يطبع عليه ، فلا يقبل ، ولا يصدّق آياته بعد ذلك .

والثاني : أنهم كانوا يتعنّتون في آياته ، ويكابرون في ردّها مع علمهم أنها آيات وحجج من الله تعالى . فإذا تعانتوا صرفهم عن قبولها وتصديقها ، وهو كقوله تعالى : { ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم } [ التوبة : 127 ] أي خلق منهم فعل الزيغ وفعل الانصراف . وهكذا كل من يختار عداوة الله ، فالله لا يختار له ولايته ، ولكن يختار له ما اختار هو .

وأما قوله{[8962]} : { سأصرف عن } وجود الطعن فيها والقدح ؛ [ يحتمل وجهين :

أحدهما ]{[8963]} : أن الله عز وجل جعل للرسل والأنبياء أضدادا من كبراء الكفرة وعظمائهم ، وكانوا يطعنون في الآيات ، ويقدحون فيها . فأخبر أنه يصرفهم عن وجود الطعن فيها والقدح والكيد لها ، أي لا يجدون فيها مطعنا ولا قدحا .

والثاني : قوله تعالى : { سأصرف عن آياتي } الهلاك والإبطال بل المهلكين{[8964]} ، والآيات هي الباقية .

ثم اختلف في الآيات : قال الحسن : { آياتي } ديني ؛ وتأويله ما ذكرنا أنهم إذا بلغوا ذلك الحد صرفهم عنها .

وقال غيره : آياته حججه وبراهينه .

وقوله تعالى : { الذين يتكبّرون في الأرض بغير الحق } كانوا يتكبّرون على{[8965]} الرسل لما لم يروهم أمثالا لأنفسهم وأشكالا . وهكذا كل من يتكبّر على آخر يتكبّر لما [ لم ]{[8966]} يره مثلا لنفسه ولا شكلا ، أو يتكبر لما يرى نفسه سليمة من{[8967]} العيوب ، ويرى في{[8968]} غيره عيوبا ، أو يرى لنفسه حقوقا عليه ، فيتكبر .

لهذا فالخلق كلهم أكفاء بعضهم لبعض ، لأنهم أمثال وأشكال ، وفيهم العيوب والحاجات ، فلا يسع لأحد الكبر على أحد ، وإنما التكبر لله تعالى ، فله يليق لما لا مثل له ، ولا شكل ، منزّه عن العيوب كلها والحاجات . لذلك كان هو الموصوف بالكبرياء والعظمة .

وقوله تعالى { بغير الحق } أي ليسوا هم بأهل الكبر .

وقوله تعالى : { وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها } أمكن أن يكون قوله : { يروا } أي وإن علموا أنه آية فلا{[8969]} يؤمنون به أبدا . هذا في قوم ، علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا ، { وإن يروا سبيل الغيّ يتخذوه سبيلا } أي وإن علموا أن ذلك هو سبيل الغي والباطل { يتخذوه سبيلا } .

وقوله تعالى : { ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا } يحتمل قوله : { ذلك } الصّرف الذي ذكر عن آياته لما كذّبوا الآيات بعد علمهم لها آيات من الله { وكانوا عنها غافلين } غفلة الإعراض والعناد لا غفلة الجهل والسوء .


[8958]:في الأصل وم: إذ.
[8959]:من م، في الأصل: لكل.
[8960]:ساقطة من الأصل وم.
[8961]:في الأصل وم: حد.
[8962]:الضمير يعود إلى الحسن.
[8963]:في الأصل وم: وذلك.
[8964]:في الأصل وم: المهلكون.
[8965]:من م، في الأصل: هم.
[8966]:من م، ساقطة من الأصل.
[8967]:في الأصل وم: عن.
[8968]:من م، في الأصل: عن.
[8969]:الفاء ساقطة من الأصل وم.