معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ} (27)

قوله تعالى :{ أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز } أي : اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها ، قال ابن عباس : هي أرض باليمن . وقال مجاهد : هي أرض أبين ، { فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم } من العشب والتبن ، { وأنفسهم } من الحبوب والأقوات . { أفلا يبصرون* }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ} (27)

ثم نبههم - سبحانه - إلى نعمة من نعمه الكثيرة فقال : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ المآء إِلَى الأرض الجرز فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } والأرض والجرز : هى الأرض اليابسة التى جرز نباتها وقطع ، إما لعدم نزول الماء عليها ، وإما لرعيه منها .

قال القرطبى ما ملخصه : والأرض الجرز هى التى جرز نباتها أى : قطع ، إما لعدم الماء ، وإما لأنه رعى وأزيل ، ولا يقال للتى لا تنبت كالسباخ جرز .

وهو مشتق من قولهم : رجل جروز إذا كان لا يبقى شيئاً إلا أكله ، وكذلك ناقة جروز : إذا كانت تأكل كل شئ تجده ، وسيف جراز ، أى : قاطع . .

أى : أعموا ولم يشاهدوا بأعينهم { أَنَّا نَسُوقُ } بقدرتنا ورحمتنا { المآء } الذى تحمله السحب { إِلَى الأرض الجرز } أى : اليابسة الخالية من النبات ، فينزل عليها .

{ فَنُخْرِجُ بِهِ } أى : فنخرج بهذا الماء النازل على الأرض القاحلة { زَرْعاً } كثيراً نافعاً { تَأْكُلُ مِنْهُ } أى : من هذا الزرع { أَنْعَامُهُمْ } أى : تأكل منه ما يصلح لأكلها كالأوراق والأغصان وما يشبه ذلك .

وقوله { وَأَنفُسُهُمْ } معطوف على أنعامهم . أى : تأكل أنعامهم من الزرع ما يناسبها ، ويأكل منه الناس ما يناسبهم كالبقول والحبوب .

وقدم - سبحانه - الأنعام على بنى آدم للترقى من الأدنى إلى الأشرف .

وقوله - تعالى - { أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } حض لهم على التأميل فى هذه النعم ، والحرص على شكر المنعم عليها ، وإخلاص العبادة له .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ} (27)

{ أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز } التي جرز نباتها أي قطع وأزيل لا التي لا تنبت لقوله : { فنخرج به زرعا } وقيل اسم موضع باليمن . { تأكل منه } من الزرع . { أنعامهم } كالتين والورق . { وأنفسهم } كالحب والثمر . { أفلا يبصرون } فيستدلون به على كمال قدرته وفضله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ} (27)

ثم أقام عز وجل الحجة عليهم في معنى الإيمان بالقدرة وبالبعث بأن نبههم على إحياء الأرض الموات بالماء والنبات ، و «السوق » هو بالسحاب ، وإن كان سوق بنهر فأصله من السحاب و { الجرز } الأرض العاطشة التي قد أكلت نباتها من العطش والغيظ ، ومنه قيل للأكول جروز . قال الشاعر :

خب جروز وإذا جاع بكى{[9436]} . . . ومن عبر عنها بأنها الأرض التي لا تنبت فإنها عبارة غير مخلصة ، وعم تعالى كل أرض هي بهذه الصفة لأن الآية فيها والعبرة بينة ، وقال ابن عباس أيضاً وغيره { الأرض الجرز } أرض أبين{[9437]} من اليمن ، وهي أرض تشرب بسيول لا بمطر ، وجمهور الناس على ضم الراء ، وقال الزجاج وتقرأ «الجرْز » بسكون الراء{[9438]} ، ثم خص تعالى «الزرع » بالذكر تشريفاً ولأنه عظم ما يقصد من النبات ، وإلا فعرف أكل الأنعام إنما هو من غير الزرع ، لكنه أوقع الزرع موقع النبات على العموم ، ثم فصل ذلك بأكل الأنعام وبني آدم ، وقرأ أبو بكر بن عياش وأبو حيوة «يأكل » بالياء من تحت ، وقرأ ابن مسعود «يبصرون » ، وقرأ جمهور الناس «تبصرون » بالتاء من فوق .


[9436]:هذا البيت من مشطور الرجز، أورده القرطبي، والشوكاني في (فتح القدير) وذكر الطبري جزءا منه، وبعده يقول الراجز: ويأكل التمر ولا يلقي النوى ويقال: رجل خَب وخِب بالفتح والكسر، أي: خداع خبيث منكر، والجروز: الذي يأكل ما أمامه ولا يبقي على شيء منه، يصفه بالخبث والشراهة. وهو الشاهذ هنا.
[9437]:أبين يفتح أوله ويكسر، وهو بوزن أحمر، ويقال (يبين)، وهو مخلاف باليمن، منه عدن، يقال: إنه سمي بأبين بن زهير بن أيمن، من سبأ، وقال الطبري: عدن وأبين ابنا عدنان بن أدد، وأنشد الفراء: ما من أناس بين مصر وعالج وأبين إلا قد تركنا لهم وترا ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءة فما شربوا بعدا على لذة خمرا
[9438]:في الجرز أربع لغات: جُرْز وجُرُز/ مثل عسر وعسر، وجرز وجرز، مثل نهر ونهر، وجمع الجرز جرزة، مثل جحر وجحرة، وجمع الجرز أجراز، مثل سبب وأسباب. (عن اللسان- جرز).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ} (27)

عطف على ( أو لم يهد لهم ) . ونيط الاستدلال هنا بالرؤية لأن إحياء الأرض بعد موتها ثم إخراج النبت منها دلالة مشاهدة . واختير المضارع في قوله ( نسوق ) لاستحضار الصورة العجيبة الدالة على القدرة الباهرة .

والسوق : إزجاء الماشي من ورائه

والماء : ماء المزن وسوقه إلى الأرض هو سوق السحاب الحاملة إياه بالرياح التي تنقل السحاب من جو إلى جو ؛ فشبهت هيئة الرياح والسحاب بهيئة السائق للدابة . والتعريف في ( الأرض ) تعريف الجنس

والجرز : اسم للأرض التي انقطع نبتها وهو مشتق من الجرز وهو : انقطاع النبت والحشيش إما بسبب يبس الأرض أو بالرعي والجرز : القطع . وسمي السيف القاطع جرازا قال الراجز يصف أسنان ناقة :

تنحي على الشوك جرازا مقضبا *** والهرم تذريه إذدراء عجبا

فالأرض الجرز : التي انقطع نبتها . ولا يقال للأرض التي لا تنبت كالسباخ جرز . والزرع : ما نبت بسبب بذر حبوبه في الأرض كالشعير والبر والفصفصة وأكل الأنعام غالبه من الكلأ لا من الزرع فذكر الزرع بلفظه ثم ذكر أكل الأنعام يدل على تقدير : وكلأ . ففي الكلام اكتفاء . والتقدير : ونخرج به زرعا وكلأ تأكل منه أنعامهم وأنفسهم . والمقصود : الاستدلال على البعث وتقريبه وإمكانه بإخراج النبت من الأرض بعد أن زال ؛ فوجه الأول . وأدمج في هذا الاستدلال امتنان بقوله { تأكل منه أنعامهم وأنفسهم } .

ثم فرع عليه استفهام تقريري بجملة ( أفلا يبصرون ) . وتقدم بيان مثله آنفا في قوله ( أفلا يسمعون ) . ونيط الحكم بالإبصار هنا دلالة إحياء الأرض بعد موتها دلالة مشاهدة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ} (27)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم وعظهم ليوحدوا فقال سبحانه: {أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز} يعني الملساء ليس فيها نبت {فنخرج به} بالماء.

{زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون} هذه الأعاجيب فيوحدون ربهم عز وجل.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: أو لم ير هؤلاء المكذّبون بالبعث بعد الموت والنشر بعد الفناء، أنا بقُدرتنا نسوق الماء إلى الأرض اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها وأصله من قولهم: ناقة جرز: إذا كانت تأكل كلّ شيء، وكذلك الأرض الجروز: التي لا يبقى على ظهرها شيء إلاّ أفسدته، نظير أكل الناقة الجراز كلّ ما وجدته، ومنه قولهم للإنسان الأكول: جَرُوز... ومنه قيل للسيف إذا كان لا يبقي شيئا إلاّ قطعه: سيف جراز... عن ابن عباس، في قوله "إلى الأرْضِ الجُرُزِ "قال: الجرز: التي لا تُمطر إلاّ مطرا لا يغني عنها شيئا، إلاّ ما يأتيها من السيول...

عن الضحاك "إلى الأرْضِ الجُرُزِ" ليس فيها نبت...

عن قتادة "أوَ لَمْ يَرَوْا أنّا نَسوقُ المَاءَ إلى الأرْضِ الجُرُز": المغبرة...

"فنخرجُ به زرعا تأكلُ منهُ أنعامهُمْ وَأنْفُسهُمْ" يقول تعالى ذكره: فنخرج بذلك الماء الذي نسوقه إليها على يبسها وغلظها وطول عهدها بالماء زرعا خضرا تأكل منه مواشيهم، وتغذَى به أبدانهم وأجسامهم فيعيشون به.

"أفَلا يُبْصرُونَ" يقول تعالى ذكره: أفلا يرون ذلك بأعينهم، فيعلموا برؤيتهموه أن القدرة التي بها فعلت ذلك لا يتعذّر عليّ أن أحيى بها الأموات وأُنشرهم من قبورهم، وأعيدهم بهيئاتهم التي كانوا بها قبل وفاتهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

هذه الآية ذكرت في الاحتجاج عليهم لإنكارهم البعث.

فيخبرهم إن من قدر على سوق الماء إلى الأرض الميتة اليابسة وإحيائها لقادر على إحيائكم بعد الموت؛ إذ الأعجوبة والقدرة في إحياء الأرض الميتة اليابسة: إن لم يكن أكثر، فلا تكون دون ما أنكروا، فكيف أنكرتم القدرة على إحياء الموتى، وقد عاينتم ما هو أكثر أو مثله؟

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{الجرز} الأرض التي جرز نباتها أي قطع: إمّا لعدم الماء، وإمّا لأنه رعي وأزيل، ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ: جرز. ويدل عليه قوله: {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً}.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قدم الأنعام على الأنفس في الأكل لوجوه؛

أحدها: أن الزرع أول ما ينبت يصلح للدواب ولا يصلح للإنسان.

والثاني: وهو أن الزرع غذاء الدواب وهو لا بد منه، وأما غذاء الإنسان فقد يحصل من الحيوان، فكأن الحيوان يأكل الزرع، ثم الإنسان يأكل من الحيوان.

الثالث: إشارة إلى أن الأكل من ذوات الدواب والإنسان يأكل بحيوانيته أو بما فيه من القوة العقلية فكماله بالعبادة.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{فنخرج به}...خص الزرع بالذكر، وإن كان يخرج الله به أنواعاً كثيرة من الفواكه والبقول والعشب المنتفع به في الطب وغيره، تشريفاً للزرع، ولأنه أعظم ما يقصد من النبات، وأوقع الزرع موقع النبات. وقدمت الأنعام... بدأ بالأدنى ثم ترقى إلى الأشرف، وهم بنو آدم.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

بعد أن بين قدرته على الإهلاك أرشد إلى قدرته على الإحياء ليبين أن النفع والضر بيده تعالى.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وهكذا يطوف القرآن بالقلب البشري في مجالي الحياة والنماء، بعدما طوف به في مجالي البلى والدثور، لاستجاشة مشاعره هنا وهناك، وإيقاظه من بلادة الألفة، وهمود العادة؛ ولرفع الحواجز بينه وبين مشاهد الوجود، وأسرار الحياة، وعبر الأحداث، وشواهد التاريخ.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ونيط الاستدلال هنا بالرؤية لأن إحياء الأرض بعد موتها ثم إخراج النبت منها دلالة مشاهدة. واختير المضارع في قوله (نسوق) لاستحضار الصورة العجيبة الدالة على القدرة الباهرة.

والماء: ماء المزن وسوقه إلى الأرض هو سوق السحاب الحاملة إياه بالرياح التي تنقل السحاب من جو إلى جو؛ فشبهت هيئة الرياح والسحاب بهيئة السائق للدابة. والتعريف في (الأرض) تعريف الجنس

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

المراد هنا مشاهدة تمعن وتذكر وعظة وتعقّل، نهتدي من خلالها على قدرة الخالق عز وجل.

"أَنَّا نَسُوقُ".. فيه دليل على قيوميته تعالى على الخلق، فإن كان سوق الماء يتم بواسطة الملائكة المكلفين به، إلا أنه تعالى صاحب الأمر الأول والمتتبع لعملية تنفيذه.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

الطريف هنا أنّ جملة: (أفلا يبصرون) قد وردت في نهاية الآية مورد البحث، في حين أنّ الآية السابقة التي كانت تتحدّث عن أطلال قصور الأقوام الغابرة قد ختمت بجملة: (أفلا يسمعون)؛ وعلّة هذا الاختلاف هو أنّ الجميع يرون بأمّ أعينهم منظر الأراضي الميّتة وهي تحيا على أثر نزول الأمطار ونموّ نباتها وينع ثمرها، في حين أنّهم يسمعون المسائل المرتبطة بالأقوام السابقين كإخبار غالباً.

ويستفاد من مجموع الآيتين أعلاه أنّ الله تعالى يقول لهؤلاء العصاة المتمردّين: انتبهوا جيّداً، وافتحوا عيونكم وأسماعكم، فاسمعوا الحقائق، وانظروا إليها، وتفكّروا كيف أمرنا الرياح يوماً أن تحطّم قصور قوم عاد ومساكنهم وتجعلها أطلالا وآثاراً، وفي يوم آخر نأمر ذات الرياح أن تحمل السحاب الممطر إلى الأراضي الميّتة البور لتحيي تلك الأراضي وتجعلها خضراء نضرة، ألا تستسلمون وتذعنون لهذه القدرة؟!