فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ} (27)

{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ } أي : أو لم يعلموا بسوقنا الماء إلى الأرض التي لا تنبت إلا بسوق الماء إليها ؟ وقيل هي اليابسة وأصله من الجرز ، وهو القطع ، أي التي قطع نباتها لعدم الماء ، وأزيل بالمرة ، ولا يقال للتي لا تنبت أصلا كالسباخ جرز لقوله الآتي : { نخرج به زرعا } قال ابن عباس الجرز التي تمطر إلا مطرا لا يغني عنها شيئا إلا ما يأتيها من السيول وعنه قال هي أرض باليمن .

وقيل : أبين ، قال القرطبي في تفسيره والإسناد عن ابن عباس صحيح لا مطعن فيه ، وقيل أرض عدن . قال الضحاك هي الأرض العطشاء ، وقال الفراء : هي الأرض التي لا نبات فيها ، وقال الأصمعي هي الأرض التي لا تنبت شيئا . قال المبرد يبعد أن يكون لأرض بعينها لدخول الألف واللام . وقيل هي مشتقة من قولهم رجل جروز ، إذا كان لا يبقى شيئا إلا أكله ، وكذلك ناقة جروز ، إذا كانت تأكل كل شيء تجده ، وقال مجاهد إنها أرض النيل لأن الماء إنما يأتيها في كل عام .

{ فَنُخْرِجُ بِهِ } أي : بالماء { زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ } أي من الزرع ، كالتبن والقصل ، والورق ، وبعض الحبوب المخصوصة بها ، ونحوها مما لا يأكله الناس { وَأَنفُسُهُمْ } أي : يأكلون من الحبوب ، والثمار ، والأقوات الخارجة من الزرع مما يقتاتونه ، وقدم الأنعام لأن انتفاعها مقصور على النبات ، ولأن أكلها منه مقدم ، لأنها تأكله قبل أن يثمر ، ويخرج سنبله .

{ أَفَلا يُبْصِرُونَ } هذه النعم ويشكرون المنعم ويوحدونه ، لكونه المتفرد بإيجاد ذلك ، وجعلت الفاصلة : يبصرون لأن الزرع مرئي ، وفيما قبله يسمعون لأن ما قبله مسموع ، أو ترقيا إلى الأعلى في الاتعاظ مبالغة في التذكير ، ودفع العذر .