التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ} (27)

ثم نبههم - سبحانه - إلى نعمة من نعمه الكثيرة فقال : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ المآء إِلَى الأرض الجرز فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } والأرض والجرز : هى الأرض اليابسة التى جرز نباتها وقطع ، إما لعدم نزول الماء عليها ، وإما لرعيه منها .

قال القرطبى ما ملخصه : والأرض الجرز هى التى جرز نباتها أى : قطع ، إما لعدم الماء ، وإما لأنه رعى وأزيل ، ولا يقال للتى لا تنبت كالسباخ جرز .

وهو مشتق من قولهم : رجل جروز إذا كان لا يبقى شيئاً إلا أكله ، وكذلك ناقة جروز : إذا كانت تأكل كل شئ تجده ، وسيف جراز ، أى : قاطع . .

أى : أعموا ولم يشاهدوا بأعينهم { أَنَّا نَسُوقُ } بقدرتنا ورحمتنا { المآء } الذى تحمله السحب { إِلَى الأرض الجرز } أى : اليابسة الخالية من النبات ، فينزل عليها .

{ فَنُخْرِجُ بِهِ } أى : فنخرج بهذا الماء النازل على الأرض القاحلة { زَرْعاً } كثيراً نافعاً { تَأْكُلُ مِنْهُ } أى : من هذا الزرع { أَنْعَامُهُمْ } أى : تأكل منه ما يصلح لأكلها كالأوراق والأغصان وما يشبه ذلك .

وقوله { وَأَنفُسُهُمْ } معطوف على أنعامهم . أى : تأكل أنعامهم من الزرع ما يناسبها ، ويأكل منه الناس ما يناسبهم كالبقول والحبوب .

وقدم - سبحانه - الأنعام على بنى آدم للترقى من الأدنى إلى الأشرف .

وقوله - تعالى - { أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } حض لهم على التأميل فى هذه النعم ، والحرص على شكر المنعم عليها ، وإخلاص العبادة له .