قوله تعالى : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } ، لم يخلطوا إيمانهم بشرك .
قوله تعالى : { أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا إسحاق ، ثنا عيسى بن يونس ، أنا الأعمش ، أنا إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } شق ذلك على المسلمين فقالوا : يا رسول الله فأينا لا يظلم نفسه ؟ فقال : ( ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا إلى ما قال لقمان لابنه وهو يعظه : { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } ؟ [ لقمان :13 ] .
ثم بين - سبحانه - من هو الفريق الأحق بالأمن فقال - تعالى - :
{ الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الأمن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } أى : الذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم بأى لون من ألوان الشرك كما يفعله فريق المشركين حيث إنهم عبدوا الأصنام وزعموا أنهم ما عبدوها إلا ليتقربوا بها إلى الله زلفى ، أولئك المؤمنون الصادقون لهم الأمن دون غيرهم لأنهم مهتدون إلى الحق وغيرهم فى ضلال مبين .
هذا وقد وردت أحاديث صحيحة فسرت الظلم فى هذه الآية بالشرك ، ومن ذلك ما رواه البخارى ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت { الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال الصحابة : وأينا لم يظلم نفسه ؟ فنزلت { إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية { الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شق ذلك على الناس فقالوا يا رسول الله : " فأينا لا يظلم نفسه ؟ قال : " إنه ليس الذى تعنون . ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح ( إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) ، إنما هو الشرك " .
قال الإمام الرازى : والدليل على أن هذا هو المراد أن هذه القصة من أولها إلى آخرها إنما وردت فى نفى الشركاء والأضداد والأنداد ، وليس فيها ذكر الطاعات والعبادات فوجب حمل الظلم ها هنا على ذلك " .
وقد فسر الزمخشرى فى كشافه الظلم بالمعصية فقال : { الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } أى لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم ، وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس . أى : لأن لبس الإيمان بالشرك أى خلطه به مما لا يتصور لأنهما ضدان لا يجتمعان فى رأى الزمخشرى .
قال الشيخ القاسمى : وفهم الزمخشرى هذا مدفوع بأنه يلابسه ، لأنه إن أريد بالإيمان مطلق التصديق سواء كان باللسان أو غيره فظاهر أنه يجامع الشرك كالمنافق . وكذا إن أريد تصديق القلب لجواز أن يصدق بوجود الصانع دون وحدانيته لما فى قوله - تعالى - { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } ولو أريد التصديق بجميع ما يجب التصديق به بحيث يخرج عن الكفر ، فلا يلزم من لبس الإيمان بالكفر الجمع بينهما ، بحيث يصدق عليه أنه مؤمن ومشرك ، بل تغطيته بالكفر وجعله مغلوبا مضمحلا ، أو اتصافه بالإيمان ثم الكفر ، ثم الإيمان ثم الكفر مراراً " .
وقال صاحب الانتصاف : " وإنما يروم الزمخشرى بذلك تنزيل الآية على معتقدة فى وجوب وعيد العصاة وأنهم لاحظ لهم فى الأمن كالكفار . ويجعل هذه الآية تقتضى تخصيص الأمن بالجامعين بين الأمرين : الإيمان والبراءة من المعاصى . ونحن نسلم ذلك ولا يلزم أن يكون الخوف اللاحق للعصاة هو الخوف اللاحق للكفار ، لأن العصاة من المؤمنين إنما يخافون العذاب المؤقت وهم آمنون من الخلود ، وأما الكفار فغير آمنين بوجه ما " .
والذى نراه أنه ما دام قد ورد عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح أنه قد فسر الظلم فى الآية بالشرك فيجب أن نسلم به وأن نعض عليه بالنواجذ ، واجتهاد الزمخشرى هنا - لتأييد مذهبه - مجانب للصواب ، لأنه لا اجتهاد مع النص . لا سيما وأن حديث عبد الله بن مسعود المتقدم قد خرجه الشيخان وغيرهما من أعلام السنة .
{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } استئناف منه أو من الله بالجواب عما استفهم عنه والمراد بالظلم ها هنا الشرك لما روي أو أن الآية لما نزلت شق ذلك على الصحابة وقالوا : أينا لم يظلم نفسه فقال عليه الصلاة والسلام " ليس ما تظنون إنما هو ما قال لقمان لابنه { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } " وليس الإيمان به أن يصدق بوجود الصانع الحكيم ويخلط بهذا التصديق الإشراك به . وقيل المعصية .
وقوله تعالى : { الذين آمنوا } الآية ، { الذين } رفع بالابتداء ، و { يلبسوا } معناه يخلطوا ، و «الظلم » في هذه الآية الشرك ، تظاهرت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن جماعة من الصحابة أنه لما نزلت هذه الآية أشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أيّنا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما ذلك كما قال لقمان : إن الشرك لظلم عظيم »{[4994]} وروي أن عمر بن الخطاب قرأ في المصحف فلما أتى عليها عظمت عليه ، فلبس رداءه ومر إلى أبي بن كعب ، فقال : يا أبا المنذر وسأله عنها ، فقال له إنه الشرك يا أمير المؤمنين ، فسري عن عمر{[4995]} ، وجرى لزيد بن صوحان{[4996]} مع سلمان نحو مما جرى لعمر مع أبي بن كعب رضي الله عنهم ، وقرأ مجاهد ، «ولم يلبسوا إيمانهم بشرك » وقرأ عكرمة «يُلبسوا » بضم الياء ، و { الأمن } رفع بالابتداء وخبره في المجرور والجملة خبر { أولئك } ، { وهم مهتدون } أي راشدون ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : المراد بهذه الآية إبراهيم خاصة ، وقال عكرمة : نزلت في مهاجري أصحاب محمد عليه السلام خاصة ، وقالت فرقة : هي من قول إبراهيم لقومه فهي من الحجة التي أوتيها ، وقال ابن جريج هي من قول قوم إبراهيم ويجيء هذا من الحجة أيضاً أن أقروا بالحق وهم قد ظلموا في الإشراك ، وقال ابن إسحاق وابن زيد وغيرهما : بل ذلك قول من الله عز وجل ابتداء حكم فصل عام لوقت محاجة إبراهيم وغيره ، ولكل مؤمن تقدم أو تأخر .
قال القاضي أبو محمد : وهذا هو البين الفصيح الذي يرتبط به معنى الآية ويحسن رصفها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.