معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ} (126)

قوله تعالى : { وما تنقم منا } ، أي : ما تكره منا ، وقال الضحاك وغيره : وما تطعن علينا ، وقال عطاء : مالنا عندك من ذنب تعذبنا عليه .

قوله تعالى : { إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا } ثم فزعوا إلى الله عز وجل فقالوا : قوله تعالى : { ربنا أفرغ } اصبب .

قوله تعالى : { علينا صبراً وتوفنا مسلمين } ، ذكر الكلبي : أن فرعون قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم ، وذكر غيره : أنه لم يقدر عليهم لقوله تعالى : { لا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون } [ القصص : 35 ] .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ} (126)

ثم قالوا له على سبيل الاستهزاء والتوبيخ { وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا } أى : وما تكره منا وتعيب إلا الإيمان بالله ، مع أن ما تكرهه منا وتعيبه علينا هو أعظم محاسننا ، لأنه خير الأعمال ، وأعظم المناقب ، فلا نعدل عنه طلباً لمرضاتك .

يقال : نقم عليه أمره ، ونقمت منه نقما - من باب ضرب - عبته وكرهته أشد الكراهة .

قال الجمل : وقوله { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا } يجوز أن يكون في محل نصب مفعول به ، أى : ما تعيب علينا إلا إيماننا .

ويجوز أن يكون مفعولا من أجله . أى : ما تنال منا وتعذبنا لشىء من الأشياء إلا لإيماننا . وعلى كل من القولين فهو استثناء مفرغ " .

ثم ختموا مناقشتهم لفرعون بالانصراف عنه والالتجاء إلى الله - تعالى - فقالوا : { رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } أى : يا ربنا افض علينا صبراً واسعاً لنثبت على دينك ، وتوفنا إليك حالة كوننا مسلمين لك مذعنين لأمرك ونهيك ، مستسلمين لقضائك .

وبذلك يكون السحرة قد ضربوا للناس في كل زمان ومكان أروع الأمثال في التضحية من أجل العقيدة ، وفى الوقوف أمام الطغيان بثبات وعزة ، وفى الصبر على المكاره والآلام ، وفى المسارعة إلى الدخول في الطريق الحق بعد أن تبين لهم ، وفى التعالى عن كل مغريات الحياة .

قال قتادة : كانوا في أول النهار كفاراً سحرة . وفى آخره شهداء بررة ، فرضى الله عنهم وحشرنا في زمرتهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ} (126)

وقول السحرة : { إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ } أي : قد تحققنا أنا إليه راجعون ، وعذابه أشد من عذابك ، ونكاله{[12019]} ما تدعونا إليه ، وما أكرهتنا عليه من السحر ، أعظم{[12020]} من نكالك ، فلنصبرن اليوم على عذابك لنخلص من عذاب الله ، لما قالوا : { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } أي : عمنا بالصبر على دينك ، والثبات عليه ، { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } أي : متابعين لنبيك موسى ، عليه السلام . وقالوا لفرعون : { فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا } [ طه : 72 - 75 ] فكانوا في أول النهار سحرة ، فصاروا في آخره{[12019]} شهداء بررة .

قال ابن عباس ، وعُبَيد بن عُمَيْر ، وقتادة ، وابن جُرَيْج : كانوا في أول النهار سحرة ، وفي آخره شهداء .


[12019]:في أ: "ونكاله على ".
[12020]:في د: "أشد".

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ} (126)

{ وما تنقم منا } وما تنكر منا . { إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا } وهو خير الأعمال وأصل المناقب ليس مما يتأتى لنا العدول عنه طلبا لمرضاتك ، ثم فزعوا إلى الله سبحانه وتعالى فقالوا : { ربنا أفرغ علينا صبرا } أفض علينا صبرا يغمرنا كما يفرغ الماء ، أو صب علينا ما يطهرنا من الآثام وهو الصبر على وعيد فرعون . { وتوفّنا مسلمين } ثابتين على الإسلام . قيل إنه فعل بهم ما أوعدهم به . وقيل إنه لم يقدر عليهم لقوله تعالى : { أنتما ومن اتبعكما الغالبون } .