تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ} (126)

الآية 126 وقوله تعالى : { وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا } قيل : لوجهين : قيل : قوله تعالى : { وما تنقم منا } أي وما تعيب علينا ، وتطعن الإيمان بما كان منّا من الإيمان { بآيات ربنا لما جاءتنا } وهو ما جاءهم من الآيات . وقيل : وما تعاقبنا ، وما تنتقم { منّا إلا أن آمنا بآيات ربنا } وكان الحق علينا ، وعليك أن تؤمن بها كما آمنا نحن .

وقوله تعالى : { ربنا أفرغ علينا صبرا } قوله تعالى : { أفرغ } قيل : أنزل { علينا صبرا } . وقيل أصبب { علينا صبرا } وهو كله واحد .

ثم يحتمل سؤالهم الصبر لما لعله إذا فعل بهم بما أوعد من العقوبات لم يقدروا على التصبّر ، فيتركوا{[8810]} الإيمان . لذلك سألوا ربهم الصبر على ذلك ليثبتوا على الإيمان به .

[ وقوله تعالى ]{[8811]} : { وتوفّنا مسلمين } سألوا ربهم أيضا التوفّي على الإسلام . وهكذا كان دعاء الأنبياء كما قال يوسف : { توفّني مسلما } الآية : [ يوسف : 101 ] وكذلك كان أوصى /183-أ/ إبراهيم بنيه حين{[8812]}قال : { إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [ البقرة : 132 ] وهكذا الواجب على كل مؤمن ومسلم أن يتضرع إلى الله في كل وقت ، ويبتهل إليه في كل ساعة لئلا يسلب الإيمان لكسب يكتسبه ؛ إذ الأنبياء والرسل ، صلوات الله عليهم ، مع عصمتهم كانوا يخافون ذلك ليعلم أن العصمة لا تسقط الخوف ، ولا تؤمن من الزلات .

وقوله تعالى : { ربنا أفرغ علينا صبرا } دلالة على أنهم علموا أنهم إذا أفرغ عليهم الصبر صبروا ؛ إذ لو لم يعلموا ذلك لم يكن لسؤالهم الصبر معنى .

فهذا على المعتزلة في قولهم : إنه [ لا ]{[8813]} يفرغ ، ولا يصبر ، وإنه قد أعطاهم غاية ما يصلح في الدين ، فدل سؤالهم ذلك على أنه لم يعطهم ، وأن عنده مزيدا{[8814]} لو أعطى لهم ذلك كان .


[8810]:في الأصل وم: فيتركون.
[8811]:ساقطة من الأصل وم.
[8812]:في الأصل وم: حيث
[8813]:ساقطة من الأصل وم.
[8814]:في الأصل وم: مزيد.