غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ} (126)

103

{ وما تنقم منا } قال ابن عباس : ما أتينا بذنب تعذبنا عليه وما تعب منا { إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا } وهي المعجزات الظاهرة التي لا يقدر على مثلها إلا الله تعالى وهذا من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم كقوله :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهن فلول من قراع الكتائب

ثم لما لجأوا إلى الدعاء كما هو دأب الصديقين عند نزول البلاء فقالوا { ربنا أفرغ علينا صبراً } أفض علينا سجال الثبات على متابعة الدين أو على ما توعدونا به فرعون { وتوفنا مسلمين } ثابتين على الدين الذي جاء به موسى وأخبروا عن إيمانهم أوّلاً وسألوا التوفي على الإسلام ثانياً . فيمكن أن يستدل بالآية على أن الإيمان والإسلام واحد ، واحتجت الأشاعرة بالآية على أن الإيمان والإسلام بخلق الله تعالى وإلا لم يطلبوا ذلك منه ، والمعتزلة يحملون أمثال ذلك على منح الألطاف . واعلم أن مبني القصة في هذه السورة على الاختصار وفي الشعراء على التطويل فلهذا قيل هناك { يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره } ، { وإنكم إذا لمن المقربين } ، { قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون } ، { فسوف تعلمون } وفي كل ذلك زيادة وأما قوله هاهنا { وأرسل في المدائن } وهناك { وابعث } فلأن الإرسال يفيد معنى البعث مع العلو فخص هذه السورة بذلك ليعلم أنّ المخاطب به فرعون دون غيره . وإنما قال هاهنا { آمنتم به } وفي طه والشعراء { آمنتم له } باللام لأن ضمير { به } في هذه يعود إلى رب العالمين ، وفي السورتين إلى موسى ، وقيل آمنت به وآمنت له واحد . وقال هاهنا { ثم لأصلبنكم } وفي السورتين { لأصلبنكم } لأنه لما أفاد الترتيب كان العطف المطلق كافياً وكثر من متشابهات هذه السور الثلاث يعود إلى رعاية الفواصل فتنبه .

/خ126