فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ} (126)

{ وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين 126 وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون 127 } .

{ وما تنقم } بكسر القاف وقرئ بفتحها ، قال الأخفش هي لغة يقال نقمت الأمر أنكرته أي لست تعيب علينا وتنكر { منا } قال عطاء أي مالنا عندك من ذنب تعذبنا عليه ، وقيل ما تكره منا وما تطعن علينا وتقدح فينا { إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا } مع أن هذا هو الشرف العظيم والخير الكامل ، وأصل المفاخر ، ومثله لا يكون موضعا للعيب ومكانا للإنكار . بل هو حقيق بالثناء الحسن والاستحسان البالغ فلا نعدل عنه أصلا طلبا لمرضاتك ، والاستثناء مفرغ .

ثم تركوا خطابه وقطعوا الكلام معه والتفتوا إلى خطاب الجناب العلي مفوضين الأمر إليه طالبين منه عز وجل أن يثبتهم على هذه المحنة بالصبر قائلين { ربنا أفرغ علينا صبرا } الإفراغ الصب أي أصببه كاملا تاما حتى يفيض علينا ويغمرنا ، ولهذا أتى بلفظ التكثير يعني صبرا وأي صبر عظيم صيب صبا ذريعا كما يفرغ الماء فراغا ، طلبوا أبلغ أنواع الصبر استعداد منهم لما سينزل بهم من العذاب من عدو الله وتوطينا لنفسهم على التصلب في الحق وثبوت القدم على الإيمان .

ثم قالوا { وتوفنا } إليك { مسلمين } أي ثابتين على الإسلام غير محرفين ولا مبدلين ولا مفتونين بالوعيد . ولقد كان ما هم عليه من السحر والمهارة في علمه مع كونه شرا محضا سببا للفوز بالسعادة لأنهم علموا أن هذا الذي جاء به موسى خارج عن طوق البشر ، وأنه من فعل الله سبحانه ، فوصلوا بالشر إلى الخير ، ولم يحصل من غيرهم ممن لا يعرف هذا العلم من أتباع فرعون ما حصل منهم من الإذعان والاعتراف والإيمان .

وإذا كانت المهارة في علم الشر قد تأتي بمثل هذه الفائدة ، فما بالك بالمهارة في علم الخير ، اللهم انفعنا بما علمتنا وثبت أقدامنا على الحق وأفرغ علينا سجال الصبر وتوفنا مسلمين آمين قال ابن عباس : كانوا في أول النهار سحرة وفي آخر النهار شهداء ، قيل فعل بهم فرعون ما توعدهم به وقيل لم يقدر عليه لقوله تعالى { وأنتم ومن اتبعكما الغالبون } .