اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ} (126)

لقوله بعد ذلك { وَمَا تَنقِمُ مِنَّا } فإنَّ الضَّميرَ في مِنَّا يَخُصُّهُمْ .

وجَوَّزُوا أن يعود عليهم ، وعلى فرعون ، أي : إنَّا - نحن وأنت - ننقلب إلى اللَّهِ ، فيُجازي كلاًّ بعمله ، وهذا وإن كان هو الواقعَ إلاَّ أنَّهُ ليس من هذا اللَّفظِ .

قوله وَمَا تَنقِمُ قد تقدَّم في المائدةِ أنَّ فيه لغتين وكيفية تعدِّيه ب " مِنْ " وأنَّهُ على التَّضمين .

وقوله : { إلاَّ أنْ آمنَّا } يجوز أن يكون في محلَِّ نصبٍ مفعولاً به ، أي : ما تَعِيبُ علينا إلاَّ إيماننا ويجوزُ أن يكون مفعولاً من أجله ، أي : ما تنال مِنَّا وتعذِّبنا لشيءٍ من الأشياء إلاَّ لإيماننا وعلى كلا القولينِ فهو استثناءٌ مفرغ .

قوله " لَمَّا جَاءَتْنَا " يجوزُ أن تكون ظرفيةً كما هو رأي الفارس ، وأحد قولي سيبويه ، والعامِلُ فيها على هذا آمَنَّا أي : آمنَّا حين مجيء الآيات ، وأن تكون حرف وجوب لوجوب ، وعلى هذا فلا بدَّ لها من جواب وهو محذوف تقديره : لما جاءتنا آمّنا بها من غير توقّف .

قوله : " ربنا أفرغ علينا صبرا " معنى الإفراغ في اللَّغَةِ : الصَّبُّ . وأصله من إفراغ الإناء وهو صب ما فيه بالكليَّة ، فكأنَّهُمْ طلبوا من اللَّه كلَّ الصَّبْرِ لا بعضه .

ونكَّرُوا " الصَّبْر " وذلك يدلُّ على الكمالِ والتَّمَامِ ، أي : صبراً كَاملاً تاماً ، كقوله تعالى : { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حَيَاةٍ } [ البقرة : 96 ] أي : على حياة كاملة تامَّةٍ .

وقوله : { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } أي : توفنا على الدِّين الحقِّ الذي جاء بِهِ موسى . واحْتَجَّ القاضي بهذه الآية على أنَّ الإيمان والإسلامَ واحد .

فقال : إنَّهُم قالوا أوَّلاً : { آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا } ، ثمَّ ثانياً ، " وَتَوَفَّنَا مُسْلِمينَ " ، فوجب أن يكون هذا الإسلام هو ذاك الإيمان .