قوله تعالى : { إذ قال له ربه أسلم } . أي استقم على الإسلام ، واثبت عليه لأنه كان مسلماً . قال ابن عباس : قال له حين خرج من السرب ، وقال الكلبي : أخلص دينك وعبادتك لله ، وقال عطاء : أسلم نفسك إلى الله عز وجل وفوض أمورك إليه .
قوله تعالى : { قال أسلمت لرب العالمين } . أي فوضت ، قال ابن عباس : وقد حقق ذلك حيث لم يستعن بأحد من الملائكة حين ألقي في النار .
ثم بين الله تعالى كمال استقامة إبراهيم التي رفعته إلى المنازل العليا فقال تعالى { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العالمين } أي : أخلصت ديني لله الذي فطر الخلق جميعاً . كما حكى عنه القرآن الكريم نحو هذا القول في قوله تعالى : { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السماوات والأرض حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ المشركين }
{ إِذْ قَالَ لَهُ رَبّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ }
يعني تعالى ذكره بقوله : { إذْ قَالَ لَهُ رَبّهُ أسْلِمْ } إذ قال له ربه : أخلص لي العبادة ، واخضع لي بالطاعة ، وقد دللنا فيما مضى على معنى الإسلام في كلام العرب ، فأغنى عن إعادته .
وأما معنى قوله : { قَالَ أسْلَمْت لِرَبّ العَالَمِينَ } فإنه يعني تعالى ذكره : قال إبراهيم مجيبا لربه : خضعت بالطاعة ، وأخلصت بالعبادة لمالك جميع الخلائق ومدبرها دون غيره .
فإن قال قائل : قد علمت أن «إذْ » وقت فما الذي وُقّت به ، وما الذي صلة ؟ قيل : هو صلة لقوله : { وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا } . وتأويل الكلام : ولقد اصطفيناه في الدنيا حين قال له ربه أسلم ، قال : { أسلمت لربّ العالمين } . فأظهر اسم «الله » في قوله : إِذْ قَالَ لَهُ رَبّهُ أسْلِمْ على وجه الخبر عن غائب ، وقد جرى ذكره قبل على وجه الخبر عن نفسه ، كما قال خُفاف بن ندبة :
أقُول لَهُ وَالرّمْحُ يأطُرُ مَتْنُهُ تأمّلْ خُفافا إنّنِي أنا ذَالِكَا
فإن قال لنا قائل : وهل دعا الله إبراهيم إلى الإسلام ؟ قيل له : نعم ، قد دعاه إليه . فإن قال : وفي أيّ حال دعاه إليه ؟ قيل : حين قال : { يا قَوْمِ إِنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ ، إنّي وَجّهْتُ وجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَوَاتِ وَاَلأرْضِ حَنِيفا ، وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ } ، وذلك هو الوقت الذي قال له ربه أسلم من بعد ما امتحنه بالكواكب والقمر والشمس .
{ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين } ظرف ل{ اصطفيناه } ، أو تعليل له ، أو منصوب بإضمار اذكر . كأنه قيل : اذكر ذلك الوقت لتعلم أنه المصطفى الصالح المستحق للإمامة والتقدم ، وأنه نال ما نال بالمبادرة إلى الإذعان وإخلاص السر حين ، دعاه ربه وأخطر بباله دلائله المؤدية إلى المعرفة الداعية إلى الإسلام . روي أنها نزلت لما دعا عبد الله بن سلام ابني أخيه : سلمة ومهاجرا إلى الإسلام ، فأسلم سلمة وأبي مهاجر .
{ إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }( 131 )
وقوله تعالى : { إذ قال له ربه أسلم } ، العامل في { إذ } { اصطفيناه } ، وكان هذا القول من الله حين ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس( {[1280]} ) . والإسلام هنا على أتم وجوهه( {[1281]} ) .
قوله : { إذْ قال له ربه أَسلم } ، إذ هو ظرف لاصطفيناه وما عطف عليه ، قصد من هذه الظرفية التخلُّص إلى منقبة أخرى ، لأن ذلك الوقت هو دليل اصطفائه حيث خاطبه الله بوحي وأمره بما تضمنه قوله { أسْلِم } من معانٍ جماعها التوحيدُ والبراءةُ من الحول والقوة وإخلاصُ الطاعة ، وهو أيضاً وقتُ ظهور أن الله أراد إصلاح حاله في الآخرة إذ كلٌّ مُيسَّر لما خلق له .
وقد فهم أن مفعول { أسلم } ومتعلقه محذوفان يعلمان من المقام أي أسلم نفسك لي كما دل عليه الجواب بقوله : { أسلمت لرب العالمين } وشاع الاستغناء عن مفعول أَسْلَمَ فنُزل الفعل منزلة اللازم يقال أَسلم أي دَان بالإسلام كما أنبأ به قوله تعالى : { ولكن كان حنيفاً مُسلماً } [ آل عمران : 67 ] .
وقوله : { قال أسلمت } فصلت الجملة على طريقة حكاية المحاورات كما قدمناه في { وإذْ قال ربك للملائكة إِني جاعل في الأرض خليفة } [ البقرة : 30 ] .
وقوله : { قال أسلمت } مشعر بأنه بادر بالفور دون تريث كما اقتضاه وقوعه جواباً ، قال ابن عرفة : إنما قال لرب العالمين دون أن يقول أسلمت لك ليكون قد أتى بالإسلام وبدليله اهـ . يعني أن إبراهيم كان قد علم أن لهذا العالم خالقاً عالماً حصل له بإلهام من الله فلما أوحى الله إليه بالإيمان صادف ذلك عقلاً رشداً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.