اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (131)

في " إذ " خمسة أوجه :

أصحها : أنه منصوب ب " قال أسلمت " ، أي : قال : أسلمت وقت قول الله له أسلم .

الثاني : أنه بدل من قوله : " في الدنيا " .

الثالث : أنه منصوب ب " اصطفيناه " .

الرابع : أنه منصوب ب " اذكر " مقدراً ، ذكر ذلك أبو البقاء ، والزمخشري ، وعلى تقدير كونه معمولاً ل " اصطفيناه " أو ل " اذكر " مقدراً يبقى قوله : " قَالَ : أَسْلَمْتُ " غير منتظم مع ما قبله ، إلاّ أن يقدر حذف حرف عطف أي : فقال ، أو يجعل جواباً بسؤالٍ مقدر ، أي : ما كان جوابه ؟

فقيل : قال أسلمت .

الخامس : أبعد بعضهم ، فجعله مع ما بعده في محلّ نصب على الحال ، والعامل فيه " اصْطَفَيْنَاه " .

وفي قوله : { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ } التفات ، إذ لو جاء على نسقه لقيل : إذ قلنا ؛ لأنه بعد " ولقد اصطفيناه " ، وعكسه في الخروج من الغيبة إلى الخطاب قوله : [ البسيط ]

795- بَاتَتْ تَشَكَّى إِلَيَّ النَّفْسُ مُجْهِشَةً *** وَقَدْ حَمَلْتُكِ سَبْعاً بَعْدَ سَبْعِينا

وقوله : " لرَبِّ الْعَالَمِينَ " فيه من الفخامة ما ليس في قوله " لك " أو " لربي " ، لأنه إذا اعترف بأنه ربّ جميع العالمين اعترف بأنه ربه وزيادة ، بخلاف الأول ، فلذلك عدل عن العبارتين .

وفي قوله : " أسلم " حَذْفُ مفعول تقديره : أسلم لربك .

فصل في تحرير وقت قول الله تعالى لإبراهيم : أسلم

الأكثرون على أن الله تعالى إنما قال ذلك قبل النبوة وقبل البلوغ ، وذلك عند استدلاله بالكوكب والقمر والشمس ، واطّلاعه على أمَارَات الحدوث فيها ، فلما عرف ربه قال له تعالى : { أَسْلِمْ قَالَ : أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } ؛ لأنه لا يجوز أن يقول له ذلك قبل أن يعرف ربه ، ويحتمل أيضاً أن يكون قوله : " أسلم " كان قبل الاستدلال ، فيكون المراد من هذا القول دلالة الدليل عليه [ لا نفس القول ] على حسب مذاهب العرب في هذا ، كقول الشاعر : [ الرجز ]

796- إِمْتَلأَ الْحَوْضُ وَقَالَ : قَطْنِي *** مَهْلاً رُوَيْداً قَدْ مَلأْتِ بَطْنِي

ويدل على ذلك قوله تعالى : { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } [ الروم : 35 ] فجعل دلالة البُرْهان كلاماً .

وذهب بعضهم إلى أن هذا الأمر بعد النبوة ، واختلفوا في المراد منه .

فقال الكلبي والأصمّ : أخلص دينك ، وعبادتك لله تعالى .

وقال عطاء : أسلم نفسك إلى الله ، وفوّض أمورك إليه .

قال : أسلمت ، أي : فوضت .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : وقد تحقّق ذلك حيث لم يأخذ من الملائكة من ألقي في النار .

قال القرطبي : والإسلام هنا على أتم وجوهه ، فالإسلام في كلام العرب الخضوع والانقياد للمستسلم والله أعلم .