فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (131)

{ أسلم } انقد ، وأطع ، واستمسك بما شرعته .

{ أسلمت } انقدت وخضعت .

{ إذ{[478]} قال له ربه أسلم{[479]} قال أسلمت لرب العالمين } لعل هذه الآية المباركة كالسبب لما قبلها أو كشاهد على ما ذكر من أنه لا يرغب عن ملته إلا من خسر نفسه ولقد شهد ربنا جل وعز وكفى به شهيدا أن خليله عليه السلام خاصم أباه وقومه في ذات الله . . . { قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين }{[480]} ، { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين }{[481]} ، وعهد إلينا الكتاب الحق أن نتخذ منه عليه السلام وممن اتبعه قدوة { لقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده . . . }{[482]} ، و{ إذ قال له ربه } -من باب الالتفات ولولا ذلك لكان حقه أن يقال : إذ قلنا له والأكثرون على أنه تعالى قال له ذلك قبل النبوة وقبل البلوغ ، وذلك عند استدلاله بالكوكب والقمر والشمس واطلاعه على أمارة الحدوث فيها فلما عرف ربه قال له أسلم فإنه لا يجوز له أن يقول له قبل . . . ولا يكون المراد منه نفس القول بل دلالة الدليل عليه كقولهم نطق الحال قال تعالى { أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون }{[483]} ، فجعل دلالة الكلام برهانا ، ويحتمل أن يكون هذا بعد النبوة والمراد استقامته على الإسلام وثباته عليه كقوله { فاستقم كما أمرت . . . }{[484]} - {[485]} .


[478]:مما أورد من جرير -رحمه الله تعالى- فإن قال قائل: قد علمت أن {إذ} وقت فما الذي وقت به؟ وما الذي صلته؟ قيل {ولقد اصطفيناه في الدنيا} وتأويل الكلام وقد اصطفيناه في الدنيا حين قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين وإنما معنى الكلام ولقد اصطفيناه في الدنيا حين قلت له أسلم لرب العالمين فأظهر اسم الله في قوله {إذ قال له ربه أسلم} على وجه الخبر عن غائب وقد جرى ذكره على وجه الخبر عن نفسه.
[479]:كما أورد رحمه الله فإن قال لنا قائل وهل دعا إبراهيم إلى الإسلام قيل نعم قد دعاه إليه فإن قال في أي حال دعاه إليه قيل حين قال {.. يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين} ذلك هو الوقت الذي قال له ربه أسلم من بعد ما امتحنه بالكواكب والقمر والشمس.
[480]:من سورة الأنعام من الآية 78 والآية 79.
[481]:من سورة الزخرف الآيتان 26-27.
[482]:سورة الممتحنة من الآية 4.
[483]:سورة الروم الآية 35.
[484]:سورة هود الآية 112.
[485]:ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن.