ثم بين سبب الاصطفاء فأعمل { اصطفينا } في { إذ قال } أي اخترناه في ذلك الوقت ، ويجوز أن ينتصب بإضمار " اذكر " استشهاداً على ما ذكر من حاله كأنه قيل له : اذكر الوقت لتعلم أنه المصطفى الصالح الذي لا يرغب عن ملة مثله { إذ قال له ربه } من باب الالتفات ، ولولا ذلك لكان حقه أن يقال : إذ قلنا له ، والأكثرون على أنه تعالى قال له ذلك قبل النبوة وقبل البلوغ وذلك عند استدلاله بالكوكب والقمر والشمس واطلاعه على أمارة الحدوث فيها ، فلما عرف ربه قال له أسلم ، فإنه لا يجوز أن يقول له قبل أن عرف ربه . ويحتمل أن يكون ذلك قبل الاستدلال ، ولا يكون المراد منه نفس القول بل دلالة الدليل عليه كقولهم " نطق الحال " قال تعالى { أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلم بما كانوا به يشركون }
[ الروم : 35 ] فجعل دلالة البرهان كلاماً ، ويحتمل أن يكون هذا بعد النبوة والمراد استقامته على الإسلام وثباته عليه كقوله : { فاستقم كما أمرت } [ هود : 112 ] أو المقصود الانقياد لأوامر الله تعالى والمسارعة إلى تلقيها بالقبول وترك الاعتراض بالقلب واللسان . وقيل : الإيمان صفة القلب والإسلام صفة الجوارح وإن إبراهيم عليه السلام كان عارفاً بالله تعالى بقلبه فكلفه الله تعالى بعد ذلك بعمل الجوارح . وفي تخصيص لفظ الرب بهذا الموضع بل بأكثر قصص إبراهيم إشارة إلى أن طريق عرفانه النظر في المربوبات فلا جرم وصل إلى الرب ، وطريق عرفان محمد صلى الله عليه وسلم عكس ذلك الترتيب فلا جرم بدأ من الله { فاعلم أنه لا إله إلا الله } [ محمد : 19 ] والأول طريق حسن { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } [ فصلت : 53 ] لكن الطريق الثاني أحسن { أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } [ فصلت : 53 ] ومن هنا يعرف أكملية محمد صلى الله عليه وسلم .
وإني وإن كنت الأخير زمانه *** لآت بما لم يستطعه الأوائل
فألف إبراهيم دلالة على استقامة سيرته ، وميم محمد دليل على أنه مكمل الأوضاع وبه ابتدأ الأمر من حيث انتهى فتمت دائرة النبوة وحصلت الخاتمة . وكما أن ألف إبراهيم دليل على وجود الاستقامة { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } [ فصلت : 31 ] فألف إبليس دليل عدم الاستقامة { إلا إبليس أبى واستكبر } [ البقرة : 34 ] والوجود خير والعدم شر فحصل من خاء الخير مع لام الابتلاء { وإذ ابتلى إبراهيم ربه } [ البقرة : 124 ] تركيب الخلة { واتخذ الله إبراهيم خليلاً } [ النساء : 125 ] ومن شين الشر مع دال الدوام على الكفر { وكان من الكافرين } [ البقرة : 34 ] اسم الشدة { والكافرون لهم عذاب شديد } [ الشورى : 26 ] ثم إن الخلة مأخوذة من التخلل بين الشيئين ومنه الخلال فلا جرم كان إبراهيم عليه السلام واسطة في الطريقة { أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً }
[ النحل : 123 ] والمحبة مأخوذة من الحبة وهو خالص كل شيء وداخله ، ومنه حبة القلب فلا جرم كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وحبيب رب العالمين وزبدة الكائنات وغاية الحركات ، لولاك لما خلقت الأفلاك ، أول الفكر آخر العمل " أول ما خلق الله تعالى نوري ، أنا أول من ينشق عنه قبر ، آدم ومن دونه تحت لوائي ، أنا سيد المرسلين ولا فخر " محمد صلى الله عليه وسلم أبو الحقيقة وإن كان إبراهيم عليه السلام أبا الطريقة ، والحقيقة لكونها مقصودة بالذات أقوى من الطريقة ، لا جرم وقع الصلاة على إبراهيم في الصلاة تبعاً للصلاة على محمد " اللهم صلَّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم " وأن الصلاة لا تصح بدون الصلاة على محمد بخلاف الصلاة على غيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.