1- سورة " الأحقاف " هي السورة السادسة والأربعون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فقد كان بعد سورة " الجاثية " .
والذي يراجع ما كتبه العلماء في ترتيب سور القرآن الكريم ، يجد أن الحواميم قد نزلت مرتبة كترتيبها في المصحف .
2- وسورة " الأحقاف " عدد آياتها خمس وثلاثون آية في المصحف الكوفي ، وأربع وثلاثون آية في غيره ، وهي من السور المكية .
قال الآلوسي : أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير أنها نزلت بمكة ، فأطلق غير واحد القول بمكيتها من غير استثناء . .
واستثنى بعضهم قوله –تعالى- : [ قل أرأيتم إن كان من عند الله ، وكفرتم به ، وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ] .
واستثنى بعضهم قوله –تعالى- : [ والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي . . . ] إلى قوله –تعالى- : [ إنهم كانوا خاسرين ] .
3- وقد افتتحت السورة الكريمة بالثناء على القرآن الكريم ، وبيان جانب من مظاهر قدرة الله –تعالى- ، وبتلقين النبي صلى الله عليه وسلم الجواب السديد الذي يرد به على المشركين ، فقال –تعالى- : [ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله . أروني ماذا خلقوا من الأرض ، أم لهم شرك في السموات ، ائتوني بكتاب من قبل هذا ، أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ] .
ثم تحكي السورة الكريمة بعض الأعذار الزائفة التي اعتذر بها الكافرون وردت عليهم بما يبطلها ، فقال –تعالى- : [ وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ، وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم . . . ] .
4- ثم انتقلت السورة إلى الحديث عن حسن عاقبة الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، وعن الوصايا الحكيمة التي أوصى الله –تعالى- بها الأبناء نحو آبائهم ، وعن حسن عاقبة الذين يعملون بتلك الوصايا ، فقال –تعالى- : [ أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ، ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة ، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ] .
كما بينت السورة الكريمة سوء عاقبة الكافرين ، الذين أعرضوا عن دعوة الحق ، قال –تعالى- : [ ويوم يعرض الذين كفروا على النار ، أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ، واستمتعتم بها ، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق ، وبما كنتم تفسقون ] .
5- ثم حذرت السورة المشركين من الإصرار على شركهم ، وذكرتهم بما حل بالمشركين من قبلهم كقوم عاد وثمود . . . وبينت لهم أن هؤلاء الكافرين لم تغن عنهم أموالهم ولا قوتهم شيئا ، عندما حاق بهم عذاب الله –تعالى- ، فقال –سبحانه- : [ ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ، وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء ، إذ كانوا يجحدون بآيات الله ، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون . ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى ، وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون ] .
6- ثم أخذت السورة الكريمة في أواخرها ، في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وفي إدخال السرور على قلبه بأن ذكرته بحضور نفر من الجن إليه ، للاستماع إلى القرآن الكريم ، وكيف أنهم عندما استمعوا إليه أوصى بعضهم بعضا بالإنصات وحسن الاستماع ، وكيف أنهم عندما عادوا إلى قومهم دعوهم إلى الإيمان بالحق الذي استمعوا إليه ، وبالنبي الذي جاء به ، فقال –تعالى- حكاية عنهم : [ يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به ، يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ] .
ثم ختمت السورة الكريمة بأمره صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى قومه ، فقال –تعالى- :
[ فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم . كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ، بلاغ ، فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ] .
7- والمتأمل في سورة " الأحقاف " يراها ، قد أقامت الأدلة على وحدانية الله –تعالى- ، وعلى كمال قدرته . وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله ، وعلى أن يوم القيامة حق .
أقامت الأدلة على كل ذلك ، بأبلغ الأساليب وأحكمها ، ومن ذلك أنها ساقت ألوانا من مظاهر قدرة الله –تعالى- في خلقه ، كما ذكرت شهادة شاهد من بني إسرائيل على أن الإسلام هو الدين الحق . كما طوفت بالناس في أعماق التاريخ لتطلعهم على مصارع الغابرين ، الذين أعرضوا عن دعوة الحق ، كما عقدت عدة مقارنات بين مصير الأخيار ومصير الأشرار . .
وبذلك تكون السورة قد ساقت من الأدلة ما فيه الكفاية والإقناع لأولي الألباب ، على أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .
سورة " الأحقاف " من السور التى افتتحت ببعض الحروف الهجائية ، وأقرب الأقوال إلى الصواب فى معناها أن يقال : إن هذه الحروف المقطعة قد وردت فى افتتاح بعض السور ، للإِشعار بأن هذا القرآن الذى تحدى به الله - تعالى - المشركين ، هو من جنس الكلام المركب من هذه الحروف التى يعرفونها ، ويقدرون على تأليف الكلام منها ، فإذا عجزوا عن الإِتيان بسورة من مثله ، فذلك لبلوغه فى الفصاحة والحكمة مرتبةً فصحاؤهم وبلغاؤهم دونها بمراحل شاسعة .
وفضلا عن كل ذلك فإن تصدير بعض السور ، يمثل هذه الحروف المقطعة يجذب أنظار المعرضين عن استماع القرآن حين يتلى عليهم إى الإِنصات والتدبر ، لأنه يطرق أسماعهم فى أول التلاوة بألفاظ غير مألوفة فى مجارى كلامهم .
وذلك مما يلفت أنظارهم ، ليتبينوا ما يراد منها ، فيسمعوا حكما وحججا ومواعظ من شأنها أنها تهديهم إلى الحق ، لو كانوا يعقلون .
وقد سبق أن بينا - بشئ من التفصيل - آراء العلماء فى هذه الحروف المقطعة
سميت هذه السورة { سورة الأحقاف } في جميع المصاحف وكتب السنة ، ووردت تسميتها بهذا الاسم في كلام عبد الله بن عباس . روى أحمد بن حنبل بسند جيد عن ابن عباس قال أقرأني رسول الله سورة من آل حم وهي الأحقاف ، وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت ثلاثين .
وكذلك وردت تسميتها في كلام عبد الله بن مسعود أخرج الحاكم بسند صححه عن ابن مسعود قال : أقرأني رسول الله سورة الأحقاف الحديث .
وحديث ابن عباس السابق يقتضي أنها تسمى ثلاثين إلا أن ذلك لا يختص بها قلا يعد من أسمائها . ولم يذكرها في الإتقان في عداد السور ذات أكثر من اسم .
ووجه تسميتها { الأحقاف } ورود لفظ الأحقاف فيها ولم يرد في غيرها من سور القرآن .
وهي مكية قال القرطبي : باتفاق جميعهم ، وفي إطلاق كثير من المفسرين . وبعض المفسرين نسبوا استثناء آيات منها الى بعض القائلين ، فحكى ابن عطية استثناء آيتين هما قوله تعالى { قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به } إلى { الظالمين } فإنها أشارت إلى إسلام عبد الله بن سلام وهو إنما أسلم بعد الهجرة ، وقوله { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل } . وفي الإتقان ثلاثة أقوال باستثناء آيات ثلاث منها الاثنتان اللتان ذكرهما ابن عطية والثالثة { ووصينا الإنسان بوالديه } إلى قوله { خاسرين } . وسيأتي ما يقتضي أنها نزلت بعد مضي عامين من البعثة وأسانيد جميعها متفاوتة . وأقواها ما روي في الآية الأولى منها ، وسنبين ذلك عند الكلام عليها في مواضعها .
وهذه السورة معدودة الخامسة والستين في عداد نزول السور ، نزلت بعد الجاثية وقبل الذاريات .
وعدت آيها عند جمهور أهل الأمصار أربعا وثلاثين ، وعدها أهل الكوفة خمسا وثلاثين والاختلاف في ذلك مبني على أن { حم } تعتبر آية مستقلة أو لا .
من الأغراض التي اشتملت عليها أنها افتتحت مثل سورة الجاثية بما يشير إلى إعجاز القرآن للاستدلال على أنه منزل من عند الله .
والاستدلال بإتقان خلق السماوات والأرض على التفرد بالإلهية ، وعلى إثبات جزاء الأعمال .
والإشارة إلى وقوع الجزاء بعد البعث وأن هذا العالم صائر إلى فناء .
وإبطال الشركاء في الإلهية . والتدليل على خلوهم عن صفات الإلهية .
وإبطال أن يكون القرآن من صنع غير الله .
وإثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم واستشهاد الله تعالى على صدق رسالته واستشهاد شاهد بني إسرائيل وهو عبد الله بن سلام .
والثناء على الذين آمنوا بالقرآن وذكر بعض خصالهم الحميدة وما يضادها من خصال أهل الكفر وحسدهم الذي بعثهم على تكذيبه .
وذكرت معجزة إيمان الجن بالقرآن .
وختمت السورة بتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم .
وأقحم في ذلك معاملة الوالدين والذرية مما هو من خلق المؤمنين ، وما هو من خلق أهل الضلالة .
والعبرة بضلالهم مع ما كانوا عليه من القوة ، وأن الله أخذهم بكفرهم وأهلك أمما أخرى فجعلهم عظة للمكذبين وأن جميعهم لم تغن عنهم أربابهم المكذوبة .
تقدم القول في نظيره في أول سورة غافر . وهذه جملة مستقلّة مثل نظائرها من الحروف المقطعة في أوائل من سور القرآن .