تفسير القرآن الكريم الجزء السادس والعشرون من القرآن الكريم
سورة الأحقاف مكية ، وآياتها 35 آية ، نزلت بعد سورة الجاثية .
تعرض سورة الأحقاف قضية الإيمان بوحدانية الله ، وربوبيته المطلقة لهذا الوجود ومن فيه وما فيه ، والإيمان بالوحي والرسالة ، والإيمان بالبعث وما وراءه من حساب وجزاء على ما كان في الحياة الدنيا من عمل وكسب ، ومن إحسان وإساءة .
هذه الأسس الأولى التي يقيم عليها الإسلام بناءه كله . ومن ثم عالجها القرآن في كل سوره المكية علاجا أساسيا . وظل يتكئ عليها كذلك في سوره المدنية كلما هم بتوجيه أو تشريع للحياة بعد قيام الجماعة المسلمة والدولة الإسلامية ، ذلك أن طبيعة هذا الدين تجعل قضية الإيمان بوحدانية الله سبحانه ، وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بالآخرة وما فيها من جزاء هي المحور الذي تدور عليه آدابه ونظمه وشرائعه كلها ، وترتبط به أوثق ارتباط ، فتبقى حية حارة تبعث من التأثر الدائم بذلك الإيمان .
وتسلك السورة بهذه القضية إلى القلوب كل سبيل ، وتوقع فيها على كل وتر ، وتعرضها في مجالات شتى ، مصحوبة بمؤثرات كونية ونفسية وتاريخية ، كما أنها تجعلها قضية الوجود كله -لا قضية البشر وحدهم- فتذكر طرفا من قصة الجن مع هذا القرآن ، كما تذكر موقف بعض بني إسرائيل منه ، وتقيم من الفطرة الصادقة شاهدا ، كما تقيم من بعض بني إسرائيل شاهدا سواء بسواء .
ثم هي تطوف بتلك القلوب في آفاق السماوات والأرض ، وفي مشاهد القيامة في الآخرة ، كما تطوف بهم في مصرع قوم هود وفي مصارع القرى حول مكة ، وتجعل من السماوات والأرض كتبا تنطق بالحق كما ينطق هذا القرآن بالحق على السواء .
تشتمل سورة الأحقاف على أربعة عناصر متماسكة كأنها عنصر واحد ذو أربعة مقاطع :
يبدأ المقطع الأول بالحرفين ( حا . ميم ) . وهي بداية تكررت في ست سور سابقة تسمى بالحواميم . وهي : غافر ، وفصلت ، والشورى ، والزخرف ، والدخان ، والجاثية ، والسورة السابعة هي الأحقاف .
ونلحظ أن هذه السور السبع تبدأ بالحرفين ( حا . ميم ) ، ثم تعقب بذكر الكتاب ، مما يؤيد أن هذه الأحرف نزلت على سبيل التحدي لأهل مكة أن يأتوا بمثل هذا القرآن .
وتشير سورة الأحقاف في بدايتها إلى القرآن فتقول : { تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم } . ( الأحقاف : 2 ) وعقبها مباشرة الإشارة إلى كتاب الكون وقيامه على الحق وعلى التقدير والتدبير : { ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى . . . } ( الأحقاف : 3 ) . فيتوافق كتاب القرآن المتلو ، وكتاب الكون المنظور ، على الحق والتقدير .
وبعد هذا الافتتاح القوي الجامع يأخذ في عرض قضية العقيدة مبتدئا بإنكار ما كان عليه القوم من الشرك الذي لا يقوم على أساس من واقع الكون ، ولا يستند إلى حق من القول ولا مأثور من العلم . ويعرض بعد هذا سوء استقبالهم للحق الذي جاءهم به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين } . ( الأحقاف : 7 ) .
ثم يسوق إنكارهم للحق وتطاولهم على الوحي ، واتهامهم النبي بالكذب والافتراء . ويرد عليهم بأن الأمر أجل من مقولاتهم الهازلة ، وادعاءاتهم العابثة ، إذ هو أمر الله العليم الخبير ، يشهد ويقضى ، وفي شهادته وقضائه الكفاية : { أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم } . ( الأحقاف : 8 ) .
ثم يبين أن محمدا ليس بدعا من الرسل فقد سبقه رسل كثيرون ، فهو مبلغ عن الله وملتزم بوحي السماء ، ويسوق حجة أخرى على صدق رسالته ، تتمثل في موقف بعض من اهتدى للحق من بني إسرائيل ، حينما رأى في القرآن مصداق ما يعرف من كتاب موسى عليه السلام . ويستطرد في عرض تعلاتهم ومعاذيرهم الواهية على هذا الإصرار ، وهم يقولون عن المؤمنين : { لو كان خيرا ما سبقونا إليه . . . } ( الأحقاف : 11 ) .
ويشير إلى كتاب موسى من قبله ، وإلى تصديق هذا القرآن له ، وإلى وظيفته ومهنته : { ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين } . ( الأحقاف : 12 ) .
وفي نهاية المقطع الأول يصور لهم جزاء المحسنين ، ويفسر لهم هذه البشرى التي يحملها إليهم القرآن الكريم بشرطها ، وهو الاعتراف بربوبية الله وحده والاستقامة على هذا الاعتقاد ومقتضياته : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } . ( الأحقاف : 13 ) فقد آمنوا بالله وأعلنوا ذلك ، واستقاموا على منهج الإيمان فاستحقوا حياة كريمة في الدنيا ، ونعيما خالدا في الآخرة .
2- الفطرة السليمة والفطرة السقيمة :
يحتوي المقطع الثاني على ست آيات هي الآيات من ( 15-20 ) ، وفيها حديث عن الفطرة في استقامتها وفي انحرافها ، وفيما تنتهي إليه حين تستقيم وما تنتهي إليه حين تنحرف .
يبدأ بالوصية بالوالدين ، وكثيرا ما ترد الوصية بالوالدين لاحقة للكلام عن العقيدة ، لبيان أهمية الأسرة والعمل على ترابطها ، وتذكير الإنسان بأصل نعمته ورعايته .
وتذكرنا الآيات بجهود الأم وفضلها في الحمل والولادة والرضاع .
" إن البويضة بمجرد تلقيحها بالخلية المنوية ، تسعى للالتصاق بجدار الرحم وهي مزودة بخاصية أكالة ، تمزق جدار الرحم الذي تلتصق به وتأكله ، فيتوارد دم الأم على موضعها حيث تسبح هذه البويضة دائما في بركة من دم الأم الغني بكل ما في جسمها من خلاصات ، وتمتصه لتحيا به وتنمو ، وهي دائمة الأكلان لجدار الرحم ، دائمة الامتصاص لمادة الحياة ، والأم المسكينة تأكل وتشرب وتهضم وتمتص لتصب هذا كله دما نقيا غنيا لهذه البويضة الشرهة النهمة الأكول .
وفي فترة تكوين عظام الجنين يشتد امتصاصه للجير من دم الأم فتفتقر إلى الجير ، ذلك أنها تعطى محلول عظامها في الدم ليقوم به هيكل هذا الصغير ، وهذا كله قليل من كثير .
ثم الوضع ، وهو عملية شاقة ، ممزقة ، ولكن آلامها الهائلة كلها لا تقف في وجه الفطرة ، ولا تنسي الأم حلاوة الثمرة ، ثمرة تلبية الفطرة ، ومنح الحياة نبتة جديدة تفيض وتمتد بينما هي تذوي وتموت .
ثم الرضاع والرعاية ، حيث تعطي الأم عصارة لحمها وعظمها في اللبن ، وعصارة قلبها وأعصابها في الرعاية ، وهي مع هذا وذاك فرحة سعيدة رحيمة ودود ، لا تمل أبدا ، ولا تراها كارهة لتعب هذا الوليد ، وأكبر ما تتطلع إليه من جزاء أن تراه يسلم وينمو فهذا هو جزاؤها الحبيب الوحيد " 1 .
وقد تكررت وصية القرآن للأبناء ببر الآباء ، لأن الوالدين قدما كل شيء ، كالنبتة التي ينمو بها النبات فإذا هي قشة ، وكالبيضة التي ينمو منها الكتكوت فإذا هي قشرة .
ومن الواجب رد الجميل والعرفان بالفضل لأهله ، وأن يحسن الإنسان إلى أصله وأن يدعو لهما ، وهو نوع من تكافل الأجيال ، قال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ( 15 ) } . ( الأحقاف : 15 ) .
وهذا النموذج الذي نشاهده في الآية ، نموذج للفطرة المستقيمة التي ترعى أصلها وتتعهد ذريتها ، وهذا النموذج يقبل الله عمله ويحشره في أصحاب الجنة .
أما النموذج الثاني فهو نموذج الانحراف والفسوق والضلال ، نموذج ولد عاق يجحد معروف والديه ، وينكر البعث والجزاء ويقول : { ما هذا إلا أساطير الأولين } . ( الأحقاف : 17 ) .
وهذا النموذج جدير بالخسران ، لقد خسر اليقين والإيمان في الدنيا ، ثم خسر النعيم والرضوان في الآخرة .
وينتهي هذا المقطع من السورة بعرض هذين النموذجين ومصيرهما في النهاية ، ثم يعرض مشهدا من مشاهد القيامة حيث يعرض المتكبرون على النار ، وفي ذلك المشهد نرى الغائب شاهدا ماثلا يستحث النفوس على الهدى ، ويستجيش الفطر السليمة القوية لارتياد الطريق الواصل المأمون .
يتناول المقطع الثالث من السورة قصة عاد ، وهم قوم نبي الله هود ، ويشمل الآيات ( 20-28 ) .
والقصة هنا تخدم الفكرة وتؤيدها ، فقد أنكر أهل مكة رسالة النبي محمد ، وأعرضوا عن دعوته ، فجاء هذا المقطع يذكرهم بأشباههم وينذرهم أن يصيبهم ما أصاب السابقين .
{ واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف . . . } ( الأحقاف : 21 ) . وأخو عاد هو هود عليه السلام ، دعا قومه إلى التوحيد ، وحذرهم من عذاب الله .
والأحقاف جمع حِقف ، وهو الكثيب المرتفع من الرمال ، وقد كانت منازل عاد على المرتفعات المتفرقة في جنوب الجزيرة ، ويقال إنها كانت في حضرموت .
وقد أنذر أخو عاد قومه ودعاهم إلى عبادة الله وحده ، وحذرهم بطشه وانتقامه ، ولم تؤمن عاد برسالة هود وقابلت دعوته بسوء الظن وعدم الفهم والتحدي والاستهزاء ، واستعجال العذاب الذي ينذرهم به ، فلما رأوا العذاب في صورة سحابة ظنوه مطرا مفيدا لهم : { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 24 ) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ( 25 ) } . ( الأحقاف : 24-25 ) .
وتقول الروايات إنه أصاب القوم حر شديد ، واحتبس عنهم المطر ، ودخن الجو حولهم من الحر والجفاف ، ثم ساق الله إليهم سحابة ففرحوا بها فرحا شديدا ، وخرجوا يستقبلونها في الأودية وهم يحسبون فيها الماء : { قالوا هذا عارض ممطرنا . . . } وجاءهم الرد بلسان الواقع : { بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها . . . } وهي الريح الصرصر العاتية التي ذكرت في سورة أخرى كما جاء في صفتها : { ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم } . ( الذاريات : 42 ) .
لقد اندفعت الريح تحقق أمر الله وتدمر كل شيء بأمر الله ، فهلك القوم بجميع ما يملكون من أنعام ومتاع وأشياء ، وبقيت مساكنهم خالية موحشة لا ديار فيها ولا نافخ نار .
ويلتفت السياق إلى أهل مكة يلمس قلوبهم ، ويحرك وجدانهم ، ويذكرهم بأن الهالكين كانوا أكثر منهم تمكنا في الأرض ، وأكثر مالا ومتاعا وقوة وعلما ، فلم تغن عنهم قدرتهم ولا قوتهم ، ولم يغن عنهم ثراؤهم ، ولم ينتفعوا بسمعهم وأبصارهم وأفئدتهم ، بل أغلقوا قلوبهم عن سماع الحق ، ولم تغن عنهم آلهتهم التي اتخذوها تقربا إلى الله .
وكذلك يقف المشركون في مكة أمام مصارع أسلافهم من أمثالهم ، فيقفهم أمام مصيرهم هم أنفسهم ، ثم أمام الخط الثابت المطرد المتصل ، خط الرسالة القائمة على أصلها الواحد الذي لا يتغير ، وخط السنة الإلهية التي لا تتحول ولا تتبدل ، وتبدو شجرة العقيدة عميقة الجذور ممتدة الفروع ضاربة في أعماق الزمان ، واحدة على اختلاف القرون واختلاف المكان .
لقد أهلك الله القرى التي كذبت رسلها في الجزيرة ، كعاد بالأحقاف في جنوب الجزيرة ، وثمود بالحجر في شمالها ، وسبأ وكانت باليمن ، ومدين وكانت في طريقهم إلى الشام ، وكذلك قرى قوم لوط وكانوا يمرون بها في رحلة الصيف إلى الشمال .
وقد نوع الله في آياته لعل المكذبين يرجعون إلى ربهم ويثوبون إلى رشدهم .
قال تعالى : { ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون } . ( الأحقاف : 27 ) .
يتناول المقطع الرابع الحديث عن إيمان الجن ، ويشمل الآيات الأخيرة من سورة الأحقاف .
وقد تحدث القرآن عن الجن فذكر أن أصلهم من نار ، وأن منهم الصالحين ومنهم الظالمين ، وأن لهم تجمعات معينة تشبه تجمعات البشر في قبائل وأجناس ، وأن لهم قدرة على الحياة على هذا الكوكب الأرضي ، ولهم قدرة على الحياة خارج هذا الكوكب ، وللجن قدرة على التأثير في إدراك البشر ، والإيعاز بالشر ، قال تعالى : { قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس } . ( الناس : 1-6 ) . ومن خصائص الجن أن يرى الناس ولا يراه الناس ، لقوله تعالى عن إبليس وهو من الجن : { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم . . . } ( الأعراف : 27 ) .
وقد تحدثت الآيات الأخيرة من السورة عن إيمان الجن الذين استمعوا لهذا القرآن ، فتنادوا بالإنصات ، واطمأنت قلوبهم إلى الإيمان ، وانصرفوا إلى قومهم منذرين يدعونهم إلى الله ، ويبشرونهم بالغفران والنجاة ، ويحذرونهم الإعراض والضلال .
وهذا الأمر في ظاهره الخير عن إيمان الجن ، ومع ذلك فهو يصور أثر هذا القرآن في القلوب ، فعندما سمعت الجن تلاوة القرآن قالوا : أنصتوا ، وعندما تأثرت قلوبهم انطلقوا إلى قومهم يتحدثون عن القرآن والإيمان ، ويعرضون دعوة الإسلام على قومهم ، وبفضل القرآن صاروا دعاة هداة ملك القرآن عليهم نفوسهم ، فانطلقوا يحملون الهداية والرحمة لقومهم ، ثم يتحدثون عن الصلة الوثيقة بين القرآن والتوراة ، وبين محمد وموسى ، فالجميع من عند الله لهداية خلق الله : { قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاب أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم } . ( الأحقاف : 30 ) .
وهذا القول من الجن يفيد ما بين الرسل جميعا من آصرة الأخوة ، فربهم واحد ، ودعوتهم واحدة ، وفكرتهم أساسها هداية الناس ومحاربة الرذائل ، والتعاون على الخير والمعروف ، والعداء بين الأديان إنما جاء من سوء الفهم أو من تحريف الإنسان للوحي .
كذلك ورد على لسان الجن إشارة إلى كتاب الكون المفتوح ، ودلالته على قدرة الله الظاهرة في خلق السماوات والأرض ، الشاهدة لقدرته على الإحياء والبعث ، وهي القضية التي يجادل فيها البشر وبها يجحدون .
وبمناسبة البعث يعرض السياق مشهدا من مشاهد القيامة يبدو فيه الكفار وهم يعترفون بالإيمان ، بعد أن كانوا ينكرونه في الدنيا ثم يقال لهم :
{ فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } . ( الأحقاف : 34 ) .
وفي ختام السورة توجيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر والمصابرة ، فإنها طريق الرسل ، وما ينبغي للدعاة إلا الصبر والاحتمال .
إن معظم مقصود سورة الأحقاف هو : إلزام الحجة على عبادة الأصنام ، والإخبار عن تناقض كلام المتكبرين ، وبيان نبوة سيد المرسلين ، وتأكيد ذلك بحديث موسى ، والوصية بتعظيم الوالدين ، وتهديد المتنعمين والمترفين ، والإشادة بإهلاك عاد العادين ، والإشارة إلى الدعوة وإسلام الجن ، وإتيان يوم القيامة فجأة2 ، واستقلال لبث اللابثين في قوله : { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } . ( الأحقاف : 35 ) .
حم : تقرأ ( حا ميم ) ، وهما حرفان من حروف المعجم للتنبيه ، أو للتحدي والإعجاز ، كما سبق في أول سورة البقرة .
حرفان من حروف المعجم ، للتنبيه أو للتحدي والإعجاز ، وبيان أن هذه الأحرف المقطعة مبنى كتاب الله العزيز ، وقد عجزتم عن الإتيان بمثله ، فدل ذلك على أنه ليس من صنع بشر ، وإنما هو تنزيل من حكيم حميد .