قوله تعالى : { ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً } قرأ أهل المدينة ، وعاصم : ( ( جبلاً ) ) بكسر الجيم والباء وتشديد اللام ، وقرأ يعقوب : ( ( جبلاً ) ) بضم الجيم والباء وتشديد اللام ، وقرأ ابن عامر ، وأبو عمرو ، بضم الجيم ساكنة الباء خفيفة اللام ، وقرأ الآخرون بضم الجيم والباء خفيفة اللام ، وكلها لغات صحيحة ، ومعناها : الخلق والجماعة أي : خلقاً كثيراً ، { أفلم تكونوا تعقلون } ما أتاكم من هلاك الأمم الخالية بطاعة إبليس .
وقوله - سبحانه - { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } استئناف مسوق لتأكيد النهى عن طاعة الشيطان ، ولتشديد التوبيخ لمن اتبع خطواته .
" وجبلا كثيرا " بمعنى : خلقا كثيرا حتى إنهم لكثرتهم كالجبل العظيم .
ولفظ " جِبِلاًّ " قرأه نافع وعاصم - بكسر الجيم والباء ، وقرأه ابن كثير وحمزة والكسائى { جِبِلاًّ } بضم الجيم وتسكين الباء مع تخفيف اللام وجيمع القراءات بمعنى واحد .
أى : ولقد أغوى الشيطان منكم يا بنى آدم خلقا كثيرا ، فهل عقلتم ذلك ، واتعظتم بما فعله مع كثير من أبناء جنسكم ، وأخلصتم لنا العبادة والطاعة ، واتخذتم الشيطان عدوا لكم كما صرح بعداوتكم . وبالعمل على إغوائكم .
قال - تعالى - : { إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السعير } وقال - سبحانه - حكاية عنه . { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين }
يقال : " جِبِلا " بكسر الجيم ، وتشديد اللام . ويقال : " جُبُلا " بضم الجيم والباء ، وتخفيف اللام . ومنهم من يسكن الباء . والمراد بذلك الخلق الكثير ، قاله مجاهد ، والسُّدِّيّ ، وقتادة ، وسفيان بن عيينة .
وقوله : { أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ } ؟ أي : أفما{[24790]} كان لكم عقل في مخالفة ربكم فيما أمركم به من عبادته{[24791]} وحده لا شريك له ، وعُدُولُكم إلى اتباع الشيطان ؟ !
قال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع ، عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي ، {[24792]} عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة أمر الله جهنم فيخرج منها عُنق ساطع مظلم ، يقول :{[24793]} { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } امتازوا اليوم أيها المجرمون . فيتميز الناس ويجثون ، وهي التي يقول الله تعالى : { وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ{[24794]} } [ الجاثية : 28 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَضَلّ مِنْكُمْ جِبِلاّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ * هََذِهِ جَهَنّمُ الّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : وَلَقَدْ أضَلّ مِنْكُمْ جِبِلاّ كَثِيرا : ولقد صدّ الشيطان منكم خلقا كثيرا عن طاعتي ، وإفرادي بالألوهة حتى عبدوه ، واتخذوا من دوني آلهة يعبدونها ، كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَلَقَدْ أضَلّ مِنْكُمْ جِبِلاّ قال : خلقا .
واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة وبعض الكوفيين جِبِلاّ بكسر الجيم وتشديد اللام ، وكان بعض المكّيين وعامة قرّاء الكوفة يقرؤونه : «جُبُلاً » بضم الجيم والباء وتخفيف اللام . وكان بعض قرّاء البصرة يقرؤه : «جُبْلاً » بضم الجيم وتسكين الباء ، وكل هذه لغات معروفات ، غير أني لا أحبّ القراءة في ذلك إلا بإحدى القراءتين اللتين إحداهما بكسر الجيم وتشديد اللام ، والأخرى : ضم الجيم والباء وتخفيف اللام ، لأن ذلك هو القراءة التي عليها عامة قرّاء الأمصار .
وقوله : أفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقلُونَ يقول : أفلم تكونوا تعقلون أيها المشركون ، إذ أطعتم الشيطان في عبادة غير الله ، أنه لا ينبغي لكم أن تطيعوا عدوّكم وعدوّ الله ، وتعبدوا غير الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.