فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّٗا كَثِيرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُواْ تَعۡقِلُونَ} (62)

ثم ذكر سبحانه عداوة الشيطان لبني آدم فقال : { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلا كَثِيرًا } اللام هي الموطئة للقسم ، والجملة مستأنفة لتشديد التقريع وتأكيد التوبيخ ، أي والله لقد أضل ، قرئ : جبلا بكسر الجيم والباء وتشديد اللام ، وبضم الجيم وسكون الباء وبضمتين مع تخفيف اللام ، وبضمتين مع تشديد اللام ، وقرئ بكسر الجيم وإسكان الباء وتخفيف اللام .

قال النحاس : وأبينها القراءة الأولى ، والدليل على ذلك أنهم قد قرأوا جميعا : والجبلة الأولين بكسر الجيم والباء وتشديد اللام فيكون جبلا جمع جبلة واشتقاق الكل من جبل الله الخلق أي خلقهم ومعنى الآية : أن الشيطان قد أغوى خلقا كثيرا ، كما قال مجاهد ، وقال قتادة جموعا كثيرة وقال الكلبي أمما كثيرة ، قال الثعلبي : والقراآت كلها بمعنى الخلق ، وقرئ جيلا بالجيم والياء التحتية ، وقال الضحاك : الجيل الواحد عشرة آلاف ، والكثير ما يحصيه إلا الله عز وجل .

{ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ؟ } الهمزة للتوبيخ والتقريع والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام كما تقدم في نظائره ، أي أتشاهدون آثار العقوبات ؟ فلم تكونوا تعقلون أو أفلم تكونوا تعقلون عداوة الشيطان لكم ؟ أو أفلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا ؟ قرئ الفعلان بالخطاب وبالغيبة .