اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّٗا كَثِيرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُواْ تَعۡقِلُونَ} (62)

قوله { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً } أي خَلْقاً كثيراً{[46510]} .

قوله : «جبلاًّ » قرأ نافع وعاصم بكسر الجيم والباء وتشديد اللام ، وأبو عمرو وابن عامر بضمة وسكون{[46511]} والباقون بضمتين واللام مخففة في كِلْتَيْهِمَا{[46512]} . وابنُ أبي إسْحَاقَ والزّهريّ وابنُ هُرْمُز بضمتين وتشديد اللام{[46513]} والأعمش بكسرتين{[46514]} وتخفيف اللام{[46515]} والأشهب العُقَيْلي{[46516]} واليمانيّ وحماد بن سلمة{[46517]} بكسرة{[46518]} وسكون وهذه لغات في هذه اللفظة وتقدم معناها آخر الشعراء{[46519]} . وقرئ جِبَلاً بكسر الجيم وفتح الباء جمع جِبْلَةٍ ، كفِطَرٍ جمع فِطرَة{[46520]} ، وقرأ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب بالياء من أسفل ( ثنتان ){[46521]} . وهي واضحة .

قال ابن الخطيب : الجيم{[46522]} والباء لا تخلو عن معنى الاجتماع ( و ) الجبل فيه اجتماع الأجسام الكثيرة وجبل الطين فيه اجتماع أجزاء الماء والتراب ، وشاة لجباء إذا كانت مجتمعةَ اللبن الكثير ، ولا يقال : البلجة نقض على ما ذكرتم فإنها تنبئ عن التفرق فإن الأبلج خلاف المقرون لأنَّا نقول : هي لاجتماع الأماكن الخالية التي تسع المتمكنات فإن البلجة بمعنى . والبَلَدُ سمي بَلَداً للاجتماع ، لا لتفرق{[46523]} الجمع ( العظيم ){[46524]}

حتى قيل : إن دون العشرة آلاف لا يكون بلداً وإن لم يكن صحيحاً . قوله : { أَفَلَمْ تَكُونُواْ } قرأ العامة بالخطاب لبني آدم . وطلحةُ{[46525]} وعيسى{[46526]} بياء الغيبة{[46527]} والضمير للجبل ، ومن حقهما أن يقرءا : التي كانوا يوعدون لولا أن يَعْتَذِرُوا بالالْتِفَاتِ{[46528]} .

فصل

في كيفية هذا الإضلال وجهان :

الأول : تولّية عن المقصد وخديعته{[46529]} فالشيطان يأمر البعض بترك عبادة الله وبعبادة غيره فهو توليه فإن لم يقدر يحيد{[46530]} بأمر غير ذلك من رياسة وجاه وغيرهما وهو يفضي إلى التولية لأن مقصوده لو حصل لترك الله وأقبل على ذلك الغير فتحصل{[46531]} التولية . ثم قال : «أفلم تكونوا تعقلون » ما أتاكم من هلاك الأمم الخالية بطاعة إبليس .


[46510]:وانظر: الرازي 26/96.
[46511]:من القراءات السبعية المتواترة هي وما قبلها. انظر التشر لابن الجزري 2/355 وحجة ابن خالويه 298 والسبعة 542 والإتحاف 366 وإبراز المعاني 660 والدر المصون 4/530.
[46512]:إحدى القراءات السبع المتواترة أيضا. انظر: النشر 2/355 وحجة ابن خالويه 298 والسبعة 522 والإتحاف 366 والسمين 4/530 وذكر القراءات الثلاثة الإمام ابن الجوزي في زاد المسير 7/30.
[46513]:من الأربع فوق العشرة وهي قراءة روح أيضا. انظر: المحتسب 2/216 والإتحاف 366 والكشاف 3/328.
[46514]:في أ وتحقيق بالقاف والحاء وهو غير المراد فالتصحيح من ب والكتب المعتمدة.
[46515]:من الشواذ غير المتواترة انظر: مختصر ابن خالويه 125 والكشاف 3/328 والسمين 4/530 والبحر 7/344.
[46516]:لم أقف عليه.
[46517]:ابن دينار أبو سلمة البصري الإمام الكبير روى القراءة عرضا عن عاصم وابن كثير روى عنه حرمي بن عمارة وحجاج بن المنهال مات سنة 167 هـ. انظر: الغاية 1/258.
[46518]:مختصر ابن خالويه 125 والمحتسب 2/216.
[46519]:عند قوله: {والجبلة الأولين} الآية 184 وكلها لغات بمعنى الخلق. انظر: اللباب 6/350 ب وانظر: الكشاف 3/328 والرازي 26/100.
[46520]:من الشواذ. المراجع السابقة.
[46521]:كذا في النسختين. ولم أعرف قصده. وانظر البحر 7/344 وبقية المراجع السابقة.
[46522]:الرازي 26/100 وانظر: اللسان "ج ب ل" 537، وبلد 340.
[46523]:في ب لتفريق.
[46524]:سقط من ب.
[46525]:إذا أطلق فهو ابن مصرف.
[46526]:الثقفي كما هو معروف.
[46527]:ذكرها أبو حيان في البحر 7/344 والسمين في الدر 4/350.
[46528]:الأخير السابق.
[46529]:كذا في النسختين. وفي الرازي : وصد عنه.
[46530]:كذا في النسختين. وفي الرازي: فإن لم يقدر يأمره بعبادة الله لأمر غير الله.
[46531]:قاله الرازي في التفسير الكبير 26/100.