فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّٗا كَثِيرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُواْ تَعۡقِلُونَ} (62)

ثم ذكر سبحانه عداوة الشيطان لبني آدم ، فقال : { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً } اللام هي الموطئة للقسم ، والجملة مستأنفة للتقريع والتوبيخ ، أي والله لقد أضلّ إلخ . قرأ نافع وعاصم { جبلاً } بكسر الجيم والباء وتشديد اللام ، وقرأ أبو عمرو ، وابن عامر بضم الجيم وسكون الباء ، وقرأ الباقون بضمتين مع تخفيف اللام ، وقرأ ابن أبي إسحاق ، والزهري ، وابن هرمز بضمتين مع تشديد اللام ، وكذلك قرأ الحسن ، وعيسى بن عمر ، والنضر بن أنس ، وقرأ أبو يحيى ، وحماد بن سلمة ، والأشهب العقيلي بكسر الجيم ، وإسكان الباء ، وتخفيف اللام قال النحاس : وأبينها القراءة الأولى . والدليل على ذلك أنهم قد قرؤوا جميعاً { والجبلة الأوّلين } [ الشعراء : 184 ] بكسر الجيم والباء ، وتشديد اللام . فيكون جبلاً جمع جبلة ، واشتقاق الكل من جبل الله الخلق : أي خلقهم ، ومعنى الآية : أن الشيطان قد أغوى خلقاً كثيراً كما قال مجاهد . وقال قتادة : جموعاً كثيرة ، وقال الكلبي : أمماً كثيرة . قال الثعلبي : والقراءات كلها بمعنى الخلق ، وقرئ " جيلاً " بالجيم ، والياء التحتية .

قال الضحاك : الجيل الواحد عشرة آلاف ، والكثير ما لايحصيه إلا الله عزّ وجلّ ، ورويت هذه القراءة عن عليّ بن أبي طالب ، والهمزة في قوله : { أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } للتقريع ، والتوبيخ ، والفاء للعطف على مقدّر يقتضيه المقام كما تقدّم في نظائره أي : أتشاهدون آثار العقوبات ؟ أفلم تكونوا تعقلون ؟ أو أفلم تكونوا تعقلون عداوة الشيطان لكم ؟ أو أفلم تكونوا تعقلون شيئاً أصلاً ؟ قرأ الجمهور : { أفلم تكونوا تعقلون } بالخطاب ، وقرأ طلحة ، وعيسى بالغيبة .

/خ70