الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّٗا كَثِيرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُواْ تَعۡقِلُونَ} (62)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولقد أضل} إبليس.

{منكم} عن الهدى.

{جبلا} خلقا {كثيرا أفلم تكونوا تعقلون}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقوله:"وَلَقَدْ أضَلّ مِنْكُمْ جِبِلاّ كَثِيرا": ولقد صدّ الشيطان منكم خلقا كثيرا عن طاعتي، وإفرادي بالألوهة حتى عبدوه، واتخذوا من دوني آلهة يعبدونها... وقوله: "أفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقلُونَ "يقول: أفلم تكونوا تعقلون أيها المشركون، إذ أطعتم الشيطان في عبادة غير الله، أنه لا ينبغي لكم أن تطيعوا عدوّكم وعدوّ الله، وتعبدوا غير الله.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل قوله {أضل} أي أهلك، وهو ما أهلك من القرون المتقدمة نحو عاد وثمود وقرونا غير ذلك، والإضلال يكون الإهلاك في اللغة، ويحتمل على حقيقة الإضلال عن الهدى. ثم هو يخرّج على وجهين:

أحدهما: إن رأيتم، وعلمتم أنه قد أهلك الله خلقا كثيرا بإبليس بما ضلّوا به، واستأصلهم لذلك، فكونوا أنتم يا معشر أهل مكة على حذر منه؛ لئلا ينزل بكم كما نزل بأولئك بضلالهم به، والله أعلم.

{أفلم تكونوا تعقلون} أنه فعل ذلك بهم؟ يخرّج على التعبير والتوبيخ لهم لترك هؤلاء والنظر في أمر أولئك.

والثاني: {جبلا كثيرا} قال بعضهم: جموعا كثيرة، وقال بعضهم أمما كثيرة، وكله واحد.

وأصله من قولك: جبلهم على كذا، أي طبعهم،قال أبو عوسجة: الجِبِلّة الخِلقة.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ} أي أغوى بالدعاء إلى المعصية.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان التقدير: فاتبعتموه وسلكتم سبيله مع اعوجاجه، وتركتم سبيلي مع ظهور استقامته، عطف عليه قوله: {ولقد أضل منكم} أي عن الطريق الواضح السوي بما سلطته به من الوسوسة، وأكده إشارة إلى أنه أمر لا يكاد أن يصدق به، لما يبعد ارتكابه في العادة من اتضاح أمره وظهور فساده وضره.

ولما كان الآدمي شديد الشكيمة عالي الهمة إذا أراد، عبر بقوله: {جبّلاً} أي أمما كباراً عظاماً، كانوا كالجبال في قوة العزائم وصعوبة الانقياد، ومع ذلك فكان يتلعب بهم تلعباً، فسبحان من أقدره على ذلك وإلا فهو أضعف كيداً وأحقر أمراً وعظم سبحانه الأمر بقوله: {كثيراً} ثم زاد في التوبيخ والإنكار بما أنتجه المقام وسببه إضلاله لهم مع ما أوتوا من العقول من قوله: {أفلم} ولما كان سبحانه قد آتاهم عقولاً وأيّ عقول، عبر بالكون فقال: {تكونوا تعقلون} أي لتدلكم على ما فيه النجاة عقولكم بما نصبت من الأدلة، مع ما نبهت عليه الرسل، وحذرت منه من إهلاك الماضين، بسبب اتباع الشياطين، وغير ذلك من كل أمر واضح مبين.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

الفاءُ في قوله تعالى: {أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} للعطفِ على مقدَّرٍ يقتضيهِ المقامُ أي أكنتُم تشاهدونَ آثارَ عقوباتِهم فلم تكونوا تعقلون أنَّها لضُلاَّلهِم، أو فلم تكونُوا تعقلون شيئاً أصلاً حتَّى ترتدعُوا عمَّا كانُوا عليه كيلا يحيقَ بكم العقابُ.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

إسناد الإضلال إلى ضمير الشيطان لأنه المباشر للإغواء.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{ولقد أضَلَّ مِنكم جِبِلاً كثيراً} عطف على {إنَّهُ لكم عدوٌّ مبين} فعداوته واضحة بدليل التجربة فكانت علة للنهي عن عبادة ما يأمرهم بعبادتهم.

والمعنى: إن عداوته واضحة وضوح الصراط المستقيم؛ لأنها تقررت بين الناس وشهدت بها العصور والأجيال فإنه لم يزل يُضلّ الناس إضلالاً تواتر أمره وتعذر إنكاره.

والجبلّ: مشتق من الجَبْل بسكون الباء بمعنى الخلق. وفرع عليه توبيخهم بقلة العقول بقوله: {أفَلَم تكونوا تَعْقِلونَ} وزيادة فعل الكون للإِيماء إلى أن العقل لم يتكون فيهم ولا هم كائنون به.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

الجِبلّ: هم القوم الأشداء الأقوياء. وحين ترى مادة (جبل) فاعلم أنها تدُلُّ على القوة والشدة والثبات والفخامة، ومن ذلك سُمِّيَ الجبل لثباته ونقول: فلان جُبل على كذا. يعني: صفة أصيلة فيه، ثابتة في شخصيته، فبَيْنَ هذه الأشياء جامع اشتقاقيّ واحد؛ لذلك نُشبِّه الرجل العاقل بالجبل؛ لأنه ثابت لا تهزه الأحداث.

ومعنى {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} يعني: لستم أول مَنْ أضلَّه إبليس، فقد أضلَّ قبلكم قوماً كثيرين كانوا أقوى منكم، ولعب بهم حتى جعل منهم أداة للضلال، فلم يقف عند حَدِّ ضلالهم هم، إنما ضَلُّوا وأضلُّوا، حتى صاروا جُنْداً من جُنْده كما قلنا...

ثم يُؤنِّب الحق سبحانه هؤلاء العاصين: {أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} يعني: أين كانت عقولكم حين انسقتُمْ وراءه، بعد أن حذرناكم منه وبيَّنا لكم مداخله، وحين يردُّك خالقك إلى العقل، ويأمرك بإعماله فاعلم أن نتيجة إعمال العقل موافقة لمراده سبحانه منك، فإنْ أعملتَ عقلك في كَوْن الله وآياته، لا بد أنْ تصل إلى نتيجة مرادة لله تعالى، كذلك أنت لا تأمر مخاطبك بأنْ يُعمل عقله في شيء، إلا إذا كنتَ واثقاً أنَّ نتيجة هذا العمل في صالحك، ووِفْق هواك، ولو كنتَ تعرف أن النتيجة على خلاف ما تريد ما أعطيتَه الفرصة لإعمال عقله.

ومثَّلْنَا لذلك بالبائع الذي يبيع سلعة جيدة، فإنه يدعوك إلى فحصها وتأمُّلها والتأكد من جودتها... أما الغَاشُّ فيحاول إقناعك بكلام نظري معظمه كذب وتدليس، ويحاول أنْ يصرف ذهنك وفكرك في الشيء، لأن النتيجة لن تكون في صالحه.

كذلك الحق -سبحانه وتعالى- يقول: {أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} يعنى: لو عقلتم لَتوصلْتُم إلى الحق، وإلى الصراط المستقيم.