قوله تعالى : { أنفسهم فهم لا يؤمنون وله ما سكن في الليل والنهار } ، أي : استقر ، قيل : أراد ما سكن ، وما تحرك ، كقوله : { سرابيل تقيكم الحر } أي : الحر والبرد ، وقيل : إنما خص السكون بالذكر لأن النعمة فيه أكثر ، وقال محمد بن جرير : كل ما طلعت عليه الشمس وغربت فهو من ساكن الليل والنهار ، والمراد منه جميع ما في الأرض ، وقيل معناه : وله ما يمر عليه الليل والنهار .
ثم ساق - سبحانه - ما يشهد بشمول علمه وقدرته فقال : { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الليل والنهار وَهُوَ السميع العليم } .
قال القرطبى : ( سكن معناه هدأ واستقر ، والمراد ما سكن وما تحرك ، فحذف لعلم السامع ، وقيل : خص الساكن بالذكر لأن ما يعمه السكون أكثر مما تعمه الحركة ، وقيل : المعنى ، ما خلق ، فهو عام فى جميع المخلوقات متحركها وساكنها ، فإنه يجرى عليه الليل والنهار ، وعلى هذا فليس المراد بالسكون ضد الحركة بل المراد الخلق وهذا أحسن ما قيل لأنه يجمع شتات الأقوال ) .
والمعنى : ولله - سبحانه - جميع ما استقر وتحرك ووجد فى كل زمان ومكان من إنسان وحيوان ونبات وغير ذلك من المخلوقات ، وهو - سبحانه - السميع لكل دقيق وجليل ، العليم بكل الظواهر والبواطن ، والتعبير بما فى قوله : { وَلَهُ مَا سَكَنَ } للدلالة على العموم والشمول .
بعد ذلك يمضي السياق يستقصي الخلائق في الزمان - كما استقصاها في الآية السابقة في المكان - ليقرر تفرد الله - سبحانه - بملكيتها ؛ وعلمه - سبحانه - وسمعه المحيطين بها :
( وله ما سكن في الليل والنهار ، وهو السميع العليم ) . .
وأقرب تأويل لقوله : ( ما سكن ) أنه من السكنى - كما ذكر الزمخشري في الكشاف - وهو بهذا يعني كل ما اتخذ الليل والنهار سكنا ؛ فهو يعني جميع الخلائق ؛ ويقرر ملكيتها لله وحده . كما قرر من قبل ملكية الخلائق كلها له سبحانه . غير أنه في الآية الأولى : ( قل : لمن ما في السماوات والأرض ؟ قل : لله ) قد استقصى الخلائق من ناحية المكان . وفي هذه الآية الثانية : ( وله ما سكن في الليل والنهار ) . . قد استقصى الخلائق من ناحية الزمان . . ومثله معروف في التعبير القرآني حين يتجه إلى الاستقصاء . . وهذا هو التأويل الذي نطمئن إليه في الآيتين من بين شتى التأويلات .
والتعقيب بصفتي السمع والعلم يفيد الإحاطة بهذه الخلائق ، وبكل ما يقال عنها كذلك من مقولات المشركين الذي يواجههم هذا النص . . ولقد كانوا مع إقرارهم بوحدانية الخالق المالك ، يجعلون لأربابهم المزعومة جزءا من الثمار ومن الأنعام ومن الأولاد - كما سيجيء في نهاية السورة - فهو يأخذ عليهم الإقرار هنا بملكية كل شيء ؛ ليواجههم بها فيما يجعلونه للشركاء بغير إذن من الله . كما أنه يمهد بتقرير هذه الملكية الخالصة لما سيلي في هذه الفقرة من ولاية لله وحده ، بما أنه هو المالك المتفرد بملكية كل شيء . في كل مكان وفي كل زمان ، الذي يحيط سمعه وعلمه بكل شيء ، وبكل ما يقال عن كل شيء كذلك !
جملة معطوفة على { لله } من قوله : { قل لله } [ الأنعام : 12 ] الذي هو في تقدير الجملة ، أي ما في السماوات والأرض لله ، وله ما سكن .
والسكون استقرار الجسم في مكان ، أي حيّز لا ينتقل عنه مدّة ، فهو ضدّ الحركة ، وهو من أسباب الاختفاء ، لأنّ المختفي يسكن ولا ينتشر . والأحسن عندي أن يكون هنا كناية عن الخفاء مع إرادة المعنى الصريح . ووجه كونه كناية أنّ الكلام مسوق للتذكير بعلم الله تعالى وأنّه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ومحاسبكم عليها يوم يجمعكم إلى يوم القيامة ، فهو كقوله تعالى : { الله يعلم ما تحمل كلّ أنثى إلى أن قال ومن هو مستخف بالليل } [ الرعد : 8 10 ] . فالذي سكن بالليل والنهار بعض ما في السماوات والأرض ، فلمّا أعلمهم بأنّه يملك ما في السموات والأرض عطف عليه الإعلام بأنه يملك ما سكن من ذلك لأنّه بحيث يُغفل عن شمول ما في السماوات والأرض إيّاه ، لأنّ المتعارف بين الناس إذا أخبروا عن أشياء بحكم أن يريدوا الأشياء المعروفة المتداولة . فهذا من ذكر الخاصّ بعد العامّ لتقرير عموم الملك لله تعالى بأنّ مِلكه شمل الظاهرات والخفيّات ، ففي هذا استدعاء ليوجّهوا النظر العقلي في الموجودات الخفيّة وما في إخفائها من دلالة على سعة القدرة وتصرّفات الحكمة الإلهية .
و { في } للظرفية الزمانية ، وهي ظرف مستقرّ ، لأنّ فعل السكون لا يتعدّى إلى الزمان تعدية الظرف اللغو كما يتعدّى إلى المكان لو كان بمعنى حلّ واستقرّ وهو ما لا يناسب حمل معنى الآية عليه . والكلام تمهيد لسعة العلم ، لأنّ شأن المالك أن يعلم مملوكاته . وتخصيص الليل بالذكر لأنّ الساكن في ذلك الوقت يزداد خفاء ، فهو كقوله : { ولا حَبَّةٍ في ظلمات الأرض } [ الأنعام : 59 ] . وعطف النهار عليه لقصد زيادة الشمول ، لأنّ الليل لمّا كان مظنّةً الاختفاء فيه قد يظنّ أنّ العالِم يقصد الاطّلاع على الساكنات فيه بأهميّة ولا يقصد إلى الاطّلاع على الساكنات في النهار ، فذكر النهار لتحقيق تمام الإحاطة بالمعلومات .
وتقديم المجرور للدلالة على الحصر ، وهو حصر الساكنات في كونها له لا لغيره ، أي في كون ملكها التامّ له ، كماتقدّم في قوله : { قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله } [ الأنعام : 12 ] .
وقد جاء قوله : { وهو السميع العليم } كالنتيجة للمقدمة ، لأنّ المقصود من الإخبار بأنّ الله يملك الساكنات التمهيد لإثبات عموم علمه ، وإلاّ فإنّ مِلك المتحرّكات المتصرّفات أقوى من ملك الساكنات التي لا تبدي حَراكاً ، فظهر حسن وقع قوله : { وهو السميع العليم } عقب هذا .
والسميع : العالم العظيم بالمسموعات أو بالمحسوسات . والعليم : الشديد العلم بكلّ معلوم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم عظم نفسه لكي يوحد، فقال: {وله ما سكن}، يعني ما استقر، {في الليل والنهار} من الدواب والطير في البر والبحر، فمنها ما يستقر بالنهار وينتشر ليلا، ومنها ما يستقر بالليل وينتشر نهارا، ثم قال: {وهو السميع} لما سألوا من العذاب، {العليم} به.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: لا يؤمن هؤلاء العادلون بالله الأوثان، فيخلصوا له التوحيد ويفردوا له الطاعة ويقرّوا بالألوهية جهلاً. "وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللّيْلِ والنّهارِ": وله ملك كل شيء، لأنه لا شيء من خلق الله إلا وهو ساكن الليل والنهار، فمعلوم بذلك أن معناه ما وصفنا. "وَهُوَ السّمِيعُ "ما يقول هؤلاء المشركون فيه من ادّعائهم له شريكا، و ما يقول غيرهم من خلاف ذلك. "العَلِيمُ" بما يضمرونه في أنفسهم وما يظهرونه بجوارحهم، لا يخفى عليه شيء من ذلك، فهو يحصيه عليهم، ليوفي كلّ إنسان ثواب ما اكتسب وجزاء ما عمل.
عن السديّ: "وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللّيْلِ والنّهارِ" يقول: ما استقرّ في الليل والنهار.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
قوله تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الَّليْلِ وَالنَّهَارِ} من أجسام الحيوان، لأن من الحيوان ما يسكن ليلاً، ومنه ما يسكن نهاراً. فإن قيل: فلم قال {مَا سَكَنَ} ولم يقل ما تحرك؟ قيل لأمرين: أحدهما: أن ما يَعُمُّه السكون أكثر مما يَعُمُّه الحركة. والثاني: لأن كل متحرك لا بد أن تنحل حركته سكوناً، فصار كل متحرك ساكناً، وقد قال الكلبي: معناه وله ما استقر في الليل والنهار، وهما الزمان كله، لأنه لا زمان إلا ليل أو نهار، ولا فصل بينهما يخرج عن واحد منهما.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"وله ماسكن في الليل والنهار" أي ما اشتمل عليه الليل والنهار فجعل الليل والنهار كالمسكن لما اشتملا عليه، لأنه ليس يخرج منهما شيء فجمع كل الأشياء بهذا اللفظ القليل الحروف، وهذا من أفصح ما يكون من الكلام...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَلَهُ} عطف على الله {مَا سَكَنَ فِي الليل والنهار} من السكنى وتعديه ب"في" كما في قوله: {وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ}. {وَهُوَ السميع العليم} يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم، فلا يخفى عليه شيء مما يشتمل عليه الملوان.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقوله تعالى: {وله ما سكن} الآية {وله} عطف على قوله {لله} واللام للملك، و {ما} بمعنى الذي، و {سكن} هي من السكنى ونحوه أي ما ثبت وتقرر... والمقصد في الآية عموم كل شيء، وذلك لا يترتب إلا أن يكون {سكن} بمعنى استقر وثبت، وإلا فالمتحرك من الأشياء المخلوقات أكثر من السواكن، ألا ترى إلى الفلك والشمس والقمر والنجوم السابحة والملائكة وأنواع الحيوان، والليل والنهار حاصران للزمان. {وهو السميع العليم} هاتان صفتان تليقان بنمط الآية من قبل أن ما ذكر قبل من الأقوال الردية عن الكفرة العادلين هو سميع لها، عليم بمواقعها، مجازٍ عليها، ففي الضمير وعيد.
المسألة الأولى: اعلم أن أحسن ما قيل في نظم هذه الآية ما ذكره أبو مسلم رحمه الله تعالى فقال: ذكر في الآية الأولى السماوات والأرض، إذ لا مكان سواهما. وفي هذه الآية ذكر الليل والنهار إذ لا زمان سواهما، فالزمان والمكان ظرفان للمحدثات، فأخبر سبحانه أنه مالك للمكان والمكانيات، ومالك للزمان والزمانيات، وهذا بيان في غاية الجلالة. وأقول هاهنا دقيقة أخرى، وهو أن الابتداء وقع بذكر المكان والمكانيات، ثم ذكر عقيبه الزمان والزمانيات، وذلك لأن المكان والمكانيات أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان والزمانيات، لدقائق مذكورة في العقليات الصرفة، والتعليم الكامل هو الذي يبدأ فيه بالأظهر فالأظهر مترقيا إلى الأخفى فالأخفى، فهذا ما يتعلق بوجه النظم...
المسألة الثانية: قوله: {وله ما سكن في الليل والنهار} يفيد الحصر والتقدير: هذه الأشياء له لا لغيره، وهذا هو الحق لأن كل موجود فهو إما واجب لذاته، وإما ممكن لذاته، فالواجب لذاته ليس إلا الواحد. وما سوى ذلك الواحد ممكن. والممكن لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته، وكل ما حصل بإيجاده وتكوينه كان ملكا له، فثبت أن ما سوى ذلك الموجود الواجب لذاته فهو ملكه ومالكه فلهذا السبب قال {وله ما سكن في الليل والنهار}.
المسألة الثالثة: في تفسير هذا السكون قولان: الأول: أن المراد منه الشيء الذي سكن بعد أن تحرك، فعلى هذا، المراد كل ما استقر في الليل والنهار من الدواب، وجملة الحيوانات في البر والبحر وعلى هذا التقدير: قالوا في الآية محذوف والتقدير: وله ما سكن وتحرك في الليل والنهار كقوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحر} أراد الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر لأنه يعرف ذلك بالقرينة المذكورة، كذلك هنا حذف ذكر الحركة، لأن ذكر السكون يدل عليه. والقول الثاني: أنه ليس المراد من هذا السكون ما هو ضد الحركة، بل المراد منه السكون بمعنى الحلول. كما يقال: فلان يسكن بلد كذا إذا كان محله فيه، ومنه قوله تعالى: {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} وعلى هذا التقدير: كان المراد، وله كل ما حصل في الليل والنهار. والتقدير: كل ما حصل في الوقت والزمان سواء كان متحركا أو ساكنا، وهذا التفسير أولى وأكمل. والسبب فيه أن كل ما دخل تحت الليل والنهار حصل في الزمان فقد صدق عليه أنه انقضى الماضي وسيجئ المستقبل، وذلك مشعر بالتغير وهو الحدوث، والحدوث ينافي الأزلية والدوام، فكل ما مر به الوقت ودخل تحت الزمان فهو محدث، وكل حادث فلابد له من محدث، وفاعل ذلك الفعل يجب أن يكون متقدما عليه، والمتقدم على الزمان يجب أن يكون مقدما على الوقت والزمان فلا تجري عليه الأوقات ولا تمر به الساعات ولا يصدق عليه أنه كان وسيكون. واعلم أنه تعالى لما بين فيما سبق أنه مالك للمكان وجملة المكانيات ومالك للزمان وجملة الزمانيات، بين أنه سميع عليم يسمع نداء المحتاجين ويعلم حاجات المضطرين.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
قوله تعالى:"وله ما سكن في الليل والنهار" أي ثبت، وهذا احتجاج عليهم أيضا. وقيل: نزلت الآية لأنهم قالوا: علمنا أنه ما يحملك على ما تفعل إلا الحاجة، فنحن نجمع لك من أموالنا حتى تصير أغنانا. فقال الله تعالى: أخبرهم أن جميع الأشياء لله، فهو قادر على أن يغنيني.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
اعلم أن هذه السورة الكريمة، قد اشتملت على تقرير التوحيد، بكل دليل عقلي ونقلي، بل كادت أن تكون كلها في شأن التوحيد ومجادلة المشركين بالله المكذبين لرسوله. فهذه الآيات، ذكر الله فيها ما يتبين به الهدى، وينقمع به الشرك. فذكر أن {لَهُ} تعالى {مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} وذلك هو المخلوقات كلها، من آدميها، وجِنِّها، وملائكتها، وحيواناتها وجماداتها، فالكل خلق مدبرون، وعبيد مسخرون لربهم العظيم، القاهر المالك، فهل يصح في عقل ونقل، أن يعبد مِن هؤلاء المماليك، الذي لا نفع عنده ولا ضر؟ ويترك الإخلاص للخالق، المدبر المالك، الضار النافع؟! أم العقول السليمة، والفطر المستقيمة، تدعو إلى إخلاص العبادة، والحب، والخوف، والرجاء لله رب العالمين؟!. {السَّمِيعُ} لجميع الأصوات، على اختلاف اللغات، بتفنن الحاجات. {الْعَلِيمُ} بما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، المطلع على الظواهر والبواطن؟!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة معطوفة على {لله} من قوله: {قل لله} [الأنعام: 12] الذي هو في تقدير الجملة، أي ما في السماوات والأرض لله، وله ما سكن. والسكون استقرار الجسم في مكان، أي حيّز لا ينتقل عنه مدّة، فهو ضدّ الحركة، وهو من أسباب الاختفاء، لأنّ المختفي يسكن ولا ينتشر. والأحسن عندي أن يكون هنا كناية عن الخفاء مع إرادة المعنى الصريح. ووجه كونه كناية أنّ الكلام مسوق للتذكير بعلم الله تعالى وأنّه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ومحاسبكم عليها يوم يجمعكم إلى يوم القيامة...]. فالذي سكن بالليل والنهار بعض ما في السماوات والأرض، فلمّا أعلمهم بأنّه يملك ما في السموات والأرض عطف عليه الإعلام بأنه يملك ما سكن من ذلك لأنّه بحيث يُغفل عن شمول ما في السماوات والأرض إيّاه، لأنّ المتعارف بين الناس إذا أخبروا عن أشياء بحكم أن يريدوا الأشياء المعروفة المتداولة. فهذا من ذكر الخاصّ بعد العامّ لتقرير عموم الملك لله تعالى بأنّ مِلكه شمل الظاهرات والخفيّات، ففي هذا استدعاء ليوجّهوا النظر العقلي في الموجودات الخفيّة وما في إخفائها من دلالة على سعة القدرة وتصرّفات الحكمة الإلهية...وقد جاء قوله: {وهو السميع العليم} كالنتيجة للمقدمة، لأنّ المقصود من الإخبار بأنّ الله يملك الساكنات التمهيد لإثبات عموم علمه، وإلاّ فإنّ مِلك المتحرّكات المتصرّفات أقوى من ملك الساكنات التي لا تبدي حَراكاً، فظهر حسن وقع قوله: {وهو السميع العليم} عقب هذا.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
أمّا هذه الآية فتشير إِلى ملكية الله لما يستوعبه ظرف «الزمان» الوسيع، وتقول: (وله ما سكن في الليل والنهار).
في الواقع، عالم المادة هذا يتحدد بالزمان والمكان، فكل الكائنات التي تقع ضمن ظرف المكان والزمان أي عالم المادة كله ملك لله.
وليس الليل والنهار مختصين طبعاً بالمنظومة الشمسية، فإنّ لجميع كائنات السماوات والأرض ليلا ونهاراً، بعضها له نهار دائم بلا ليل، ولبعضها ليل بلا نهار، ففي الشمس مثلا نهار دائم، فهناك ضوء دائم بلا ظلام، وفي بعض الكواكب الخامدة، التي لا نور فيها ولا تجاور النجوم، ليل دائم سرمدي، وهذه كلّها مشمولة بالآية المذكورة.
لابدّ هنا أن نلاحظ أنّ «سكن» والسكونة تعني التوقف والاستقرار في مكان ما، سواء أكان ذلك الموجود الساكن في حالة حركة أو سكون، نقول مثلا: فلان «ساكن» في المدينة الفلانية، أي أنّه مستقر هناك، مع أنّه يمكن أن يكون متحركاً في شوارعها.
كما يحتمل أن تقابل «السكون» في هذه الآية «الحركة»، ولمّا كان السكون والحركة من الحالات النسبية، فإنّ ذكر أحدهما يغنينا عن ذكر الآخر، وعليه يصبح معنى الآية هكذا: كل ما هو كائن في الليل والنهار وظرف الزمان ساكناً كان أم متحركاً، ملك لله.
وبهذا يمكن أن تكون الآية إِشارة إِلى أحد أدلة التوحيد، لأنّ «الحركة» و«السكون» حالتان عارضتان وحادثتان طبعاً، فلا يمكن أن تكونا قديمتين أزليتين، لأنّ الحركة تعني وجود الشيء في مكانين مختلفين خلال زمانين، والسكون يعني وجود الشيء في مكان واحد خلال زمانين، وعليه فإنّ الالتفات إِلى الحالة السابقة كامن في ذات الحركة والسكون. ونحن نعلم أنّ الشيء إِذا كانت له حالة سابقة لا يمكن أن يكون أزلياً.
نستنتج من هذا الكلام أنّ الأجسام لا تخلو من الحركة والسكون، وأنّ ما لا يخلو من الحركة والسكون لا يمكن أن يكون أزلياً، وعليه فكل جسم حادث، وكل حادث لابدّ من محدث (خالق).