اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞وَلَهُۥ مَا سَكَنَ فِي ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (13)

قوله : " ولَهُ مَا سَكَن " : جملة من مُبْتَدَأ وخبر ، وفيها قولان :

أظهرهما : أنها اسْتِئْنَافُ إخبار بذلك .

والثاني : أنها في مَحَلّ نَصْبٍ نَسَقاً على قوله : " الله " ، أي : على الجملة المَحْكيَّةِ ب " قل " أي : قل : هو لله ، وقل : له ما سَكَنَ .

و " ما " موصولة بمعنى " الذي " ، ولا يجوز غَيْرُ ذلك .

و " سَكَنَ " قيل : معناه ثَبَتَ واسْتَقَرَّ ، ولم يذكر الزمخشري غيره{[13355]} .

كقولهم : فلان يسكنُ بَلْدَة كذا ، ومنه قوله تبارك وتعالى { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُم } [ إبراهيم :45 ] .

وقيل : هو مِنْ " سَكَنَ " مقابل " تَحَرَّك " ، فعلى الأوَّل لا حذف في الآية الكريمة .

قال الزمخشري{[13356]} : وتعدِّيه ب " في " كما في قوله : { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُم } [ إبراهيم :45 ] . ورجَّح هذا التفسير{[13357]} ابن عطية{[13358]} .

وعلى الثَّاني اخْتَلَفُوا ، فمنهم من قال : لا بُدَّ من محذوفٍ لِفَهْمِ المعنى ، وقدَّر ذلك المحذوف معْطُوفاً ، فقال : تقديره : وله ما سَكَنَ وما تحرك ، كقوله في موضع آخر : { تَقِيكُمُ الْحَرَّ }

[ النحل :81 ] أي : والبَرْد وحذف المعطوف فاشٍ في كلامهم ، وأنشد القائل في ذلك :

كَأنَّ الحَصَى مِنْ خَلْفِهَا وَأمَامِهَا *** وإذَا نَجَلَتْهُ رِجْلُهَا خَذْفُ أعْسَرَا{[13359]}

وقال الآخر : [ الطويل ]

فَمَا كَانَ بَيْنَ الخَيْرِ لَوْ جَاءَ سَالِماً *** أبُو حُجُرٍ إلاَّ لَيَالٍ قَلاَئِلُ{[13360]}

يريد : رِجْلَهَا ويدها ، وبين الخير وبيني .

ومنهم من قال : لا حَذْفَ ؛ لأنَّ كُلَّ متحرك قد يسكن .

وقيل : لأنَّ المُتَحرِّكَ أقَلُّ ، والساكن أكثرُ ، فلذلك أوثِرَ بالذِّكْرِ .

وقيل : إنما خصَّ السُّكون بالذِّكْرِ ، لأن النعمة فيه أكثر .

فصل في نظم الآية

قال أبو مسلم : وجه نَظْمَ الآية الكريمة أنه -تبارك وتعالى- ذَكَرَ في الآية الأولى : السماوات والأرضَ ؛ إذ لا مكانَ سِوَاهُمَا ، وفي هذه الآية الكريمة ذكر الليل والنَّهار ، إذ لا زمان سواهما ، فالزَّمَان والمكان ظرفان للمحدثات ، فأخبر -تبارك وتعالى- أنه مَالِكٌ للمكان والمَكَانِيَّاتِ ، ومالك للزَّمانِ والزَّمانِيَّاتِ{[13361]} .

قال محمد بن جرير{[13362]} : كُلُّ ما طلعت عليه الشَّمْسُ وغَرَبَتْ ، فهو من مَسَاكن اللَّيل والنَّهَار ، والمراد جميع ما في الأرض .

وقيل : مَعْنَاه له ما يمرُّ عليه اللَّيْلُ والنَّهَارُ ، وهو السميعُ لأصواتهم ، العَلِيمُ بأسْرَارِهِمْ .


[13355]:ينظر: الكشاف 2/9.
[13356]:ينظر: الكشاف 2/9.
[13357]:في ب: التقدير.
[13358]:ينظر: المحرر الوجيز 2/272.
[13359]:تقدم.
[13360]:تقدم.
[13361]:ينظر: الرازي 12/138.
[13362]:تفسير الطبري (5/158).