محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞وَلَهُۥ مَا سَكَنَ فِي ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (13)

/ [ 13 ] { وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم ( 13 ) } .

{ وله } أي : ولله عز وجل ، { ما سكن في الليل والنهار } أي ما استقر وحل ، من ( السكنى ) بمعنى ( الحلول ) . كقوله تعالى : { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم }{[3370]} . والمعنى : له تعالى كل ما حصل في الليل والنهار ، مما طلعت عليه الشمس أو غربت . شبه الاستقرار بالزمان ، بالاستقرار في المكان ، فاستعمل استعماله فيه . أو ( سكن ) من ( السكون ) ، مقابل الحركة . أي : ما سكن فيهما وما تحرك ، فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر ، كما في قوله : { سرابيل تقيكم الحر }{[3371]} ، لأن ذلك يعرف بالقرينة . وعليه ، فإنما اكتفى بالسكون عن ضده دون العكس . لأن السكون أكثر وجودا ، والنعمة فيه أكثر .

قال بعضهم : لا حاجة لدعوى الاكتفاء ، فإن ما سكن يعم جميع المخلوقات ، إذ ليس شيء منها غير متصف بالسكون ، حتى المتحرك ، حال حركته ، على ما حقق في الكلام : من أن تفاوت الحركات بالسرعة والبطء لقلة السكنات المتخللة وكثرتها .

لطيفة :

قال أبو مسلم الأصفهاني : ذكر تعالى في الآية الأولى السماوات والأرض ، إذ لا مكان سواهما . وفي هذه الآية ذكر الليل والنهار ، إذ لا زمان سواهما . فالزمان والمكان ظرفان / للمحدثات ، فأخبر سبحانه أنه مالك للمكان والمكانيات ، ومالك للزمان والزمانيات . وهذا بين في غاية الجلالة .

وقال الرازي : ههنا دقيقة أخرى . وهو أن الابتداء وقع بذكر المكان والمكانيات ، ثم ذكر عقيبه الزمان والزمانيات . وذلك لأن المكان والمكانيات أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان والزمانيات ، لدقائق مذكورة في العقليات الصرفة . والتعليم الكامل هو الذي يبدأ فيه بالأظهر فالأظهر مترقيا إلى الأخفى فالأخفى . وهذا من سر نظم الآية مع ما قبلها .

{ وهو السميع العليم } يسمع كل مسموع ، ويعلم كل معلوم ، فلا يخفى عليه شيء مما يشتمل عليه الملوان .


[3370]:- [14/ إبراهيم/ 45] {...وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال (45)}.
[3371]:- [16/ النحل/ 81] ونصها: {والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون (81)}.