قوله تعالى : { حتى إذا بلغ بين السدين } ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو ، وحفص : السدين و سداً هاهنا بفتح السين ، وافق حمزة والكسائي في سدا ، قرأ الباقون : بضم السين ، وفي ( يس ) سداً بالفتح حمزة والكسائي وحفص وقرأ الباقون بالضم ، منهم من قال : هما لغتان ، معناهما واحد . وقال عكرمة : ما كان من صنعة بني آدم فهو السد بالفتح ، وما كان من صنع الله فهو سد بالضم ، وقاله أبو عمرو . وقيل : السد : بالفتح مصدر ، وبالضم اسم ، وهما هاهنا : جبلان ، سد ذو القرنين ما بينهما ، حاجزاً بين يأجوج ومأجوج ومن ورائهم . { وجد من دونهما قوما } يعني : أمام السدين . { لا يكادون يفقهون قولاً } ، قرأ حمزة ، والكسائي : ( يفقهون ) بضم الياء وكسر القاف على معنى لا يفهمون غيرهم قولاً ، وقرأ الآخرون : بفتح الياء والقاف ، أي لا يفهمون كلام غيرهم ، قال ابن عباس : لا يفهمون كلام أحد ، ولا يفهم الناس كلامهم .
أى : ثم بعد أن بلغ مغرب الشمس ومشرقها . . . سار فى طريق ثالث معترض بين المشرق والمغرب ، آخذا فيه { حتى إِذَا بَلَغَ } فى مسيره ذلك { بين السدين } أى : الجبلين ، وسمى الجبل سدا ، لأنه سد فجا من الأرض .
قالوا : والسدان هما جبلان من جهة أرمينية وأذربيجان ، وقيل هما فى نهاية أرض الترك مما يلى المشرق :
{ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا } أى : من دون السدين ومن ورائهما { قوما } أى : أمة من الناس لغتهم لا تكاد تعرف لبعدهم عن بقية الناس ، ولذا قال - سبحانه - .
{ لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } أى : لا يكاد هؤلاء القوم يفهمون أو يقرءون ما يقوله الناس لهم ، لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم ، ولا يعرف الناس - أيضا - ما يقوله هؤلاء القوم لهم ، لشدة عجمتهم .
( حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا . قالوا : يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ، فهل نجعل لك خرجا على أن نجعل بيننا وبينهم سدا ? قال : ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما . آتوني زبر الحديد . حتى إذا ساوى بين الصدفين قال : انفخوا . حتى إذا جعله نارا قال : آتوني أفرغ عليه قطرا . فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا . قال : هذا رحمة من ربي ، فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء ، وكان وعد ربي حقا ) .
ونحن لا نستطيع أن نجزم بشيء عن المكان الذي بلغ إليه ذو القرنين ( بين السدين ) ولا ما هما هذان السدان . كل ما يؤخذ من النص أنه وصل إلى منطقة بين حاجزين طبيعيين ، أو بين سدين صناعيين . تفصلهما فجوة أو ممر . فوجد هنالك قوما متخلفين : ( لا يكادون يفقهون قولا ) .
السدّ بضم السين وفتحها : الجبل . ويطلق أيضاً على الجدار الفاصل ، لأنه يسد به الفضاء ، وقيل : الضم في الجبل والفتح في الحاجز .
وقرأه نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر ، وخلف ، ويعقوب بضم السين وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم بفتح السين على لغة عدم التفرقة .
والمراد { بالسدين } هنا الجبلان ، وبالسد المفرد الجدار الفاصل ، والقرينة هي التي عيّنت المراد من هذا اللفظ المشترك .
وتعريف { السَّدَّيْنِ } تعريف الجنس ، أي بين سدّين معينين ، أي اتبع طريقاً آخر في غزوه حتى بلغ بين جبلين معلومين .
ويظهر أن هذا السبب اتّجه به إلى جهة غير جهتي المغرب والمشرق ، فيحتمل أنها الشمال أو الجنوب . وعينه المفسّرون أنه للشمال ، وبنوا على أن ذا القرنين هو إسكندر المقدوني ، فقالوا : إن جهة السدّين بين ( أرمينيا وأذربيجان ) . ونحن نبني على ما عيّناه في الملقب بذي القرنين ، فنقول : إن موضع السدين هو الشمال الغربي لصحراء ( قوبِي ) الفاصلة بين الصين وبلاد المغول شمال الصين وجنوب ( منغوليا ) . وقد وجد السد هنالك ولم تزل آثارهُ إلى اليوم شاهدَها الجغرافيون والسائحون وصورت صوراً شمسية في كتب الجغرافيا وكتب التاريخ العصرية .
ومعنى { لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } أنهم لا يعرفون شيئاً من قول غيرهم فلغتهم مخالفة للغات الأمم المعروفة بحيث لا يعرفها تراجمة ذي القرنين لأن شأن الملوك أن يتخذوا تراجمة ليترجموا لغات الأمم الذين يحتاجون إلى مخاطبتهم ، فهؤلاء القوم كانوا يتكلمون بلغة غريبة لانقطاع أصقاعهم عن الأصقاع المعروفة فلا يوجد من يستطيع إفهامهم مراد الملك ولا هم يستطيعون الإفهام .
ويجوز أن يكون المعنى أنهم قوم متوغلون في البداوة والبلاهة فلا يفهمون ما يقصده من يخاطبهم .
وقرأ الجمهور { يَفْقَهُونَ } بفتح الياء التحتية وفتح القاف أي لا يفهمون قول غيرهم . وقرأ حمزة ، والكسائي بضم الياء وكسر القاف أي لا يستطيعون إفهام غيرهم قولهم . والمعنيان متلازمان . وهذا كما في حديث الإيمان : « نسمع دويّ صوته ولا نفهم ما يقول » .
وهؤلاء القوم مجاورون ياجوج وماجوج ، وكانوا أضعف منهم فسألوا ذا القرنين أن يقيهم من فساد ياجوج وماجوج . ولم يذكر المفسرون تعيين هؤلاء القوم ولا أسماء قبيلهم سوى أنهم قالوا : هم في منقطع بلاد الترك نحو المشرق وكانوا قوماً صالحين فلا شك أنهم من قبائل بلاد الصين التي تتاخم بلاد المغول والتّتر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.