معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ وَلَدَيۡنَا كِتَٰبٞ يَنطِقُ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (62)

قوله : { ولا نكلف نفساً إلا وسعها } أي : طاقتها ، فمن لم يستطع القيام فليصل قاعداً ، ومن لم يستطع الصوم فليفطر ، { ولدينا كتاب ينطق بالحق } وهو اللوح المحفوظ ، ينطق بالحق يبين بالصدق ، ومعنى الآية : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) إلا ما أطاقت من العمل ، وقد أثبتنا عمله في اللوح المحفوظ ، فهو ينطق به ويبينه . وقيل : هو كتب أعمال العباد التي تكتبها الحفظة ، { وهم لا يظلمون } ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ وَلَدَيۡنَا كِتَٰبٞ يَنطِقُ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (62)

ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة المشتملة على صفات المؤمنين الصادقين ، ببيان أن هذه الصفات الجليلة لم تكلف أصحابها فوق طاقتهم ، لأن الإيمان الحق إذا خالطت بشاشته القلوب يجعلها لا تحس بالمشقة عند فعل الطاعات ، وإنما يجعلها تحس بالرضا والسعادة والإقدام على فعل الخير بدون تردد ، فقال - تعالى - { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا . . . } .

أى : وقد جرت سنتنا فيما شرعناه لعبادنا من تشريعات ، أننا لا نكلف نفساً من النفوس إلا فى حدود طاقتها وقدرتها . كما قال - تعالى - : { لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } والمراد بالكتاب فى قوله - تعالى - : { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بالحق . . } كتبا الأعمال الذى يحصيها الله - تعالى - فيه ويشهد لذلك قوله - سبحانه - : { هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وقوله - تعالى - { وَوُضِعَ الكتاب فَتَرَى المجرمين مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ . . . } والمراد بنطق الكتاب بالحق : أن كل ما فيه حق وصدق . أى : ولدينا صحائف أعمالكم ، التى سجلها عليكم الكرام الكاتبون ، وفيها جميع أقوالكم وأفعالكم فى الدنيا ، بدون زيادة أو نقصان ، بل هى مشتملة على كل حق وصدق فقد اقتضت حكمتنا وعدالتنا أننا لا نظلم أحداً وإنما نعطى كل إنسان ما يستحقه من خير ، ونعفو عن كثير من الهفوات .

وبذلك نرى الآيات الكريمة ، قد مدحت المؤمنين الصادقين ، ووصفتهم بما هم أهله من صفات كريمة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ وَلَدَيۡنَا كِتَٰبٞ يَنطِقُ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (62)

53

تلك اليقظة التي يفرضها الإسلام على قلب المسلم . والتي يستجيشها الإيمان بمجرد استقراره في القلوب . . ليست أمرا فوق الطاقة ، وليست تكليفا فوق الاستطاعة . إنما هي الحساسية الناشئة من الشعور بالله والاتصال به ؛ ومراقبته في السر والعلن ؛ وهي في حدود الطاقة الإنسانية ، حين يشرق فيها ذلك النور الوضيء :

( ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون ) . .

ولقد شرع الله التكاليف وفق ما يعلم من استعداد النفوس ؛ وهو محاسبهم وفق ما يعملونه في حدود الطاقة ، لا يظلمون بتحميلهم ما لا يطيقون ؛ ولا ببخسهم شيئا مما يعملون ، وكل ما يعملونه محسوب في سجل ( ينطق بالحق )ويبرزه ظاهرا غير منقوص . والله خير الحاسبين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ وَلَدَيۡنَا كِتَٰبٞ يَنطِقُ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (62)

{ ولا نكلف نفسا إلا وسعها } قدر طاقتها يريد به التحريض على ما وصف به الصالحين وتسهيله على النفوس ، { ولدينا كتاب } يريد به اللوح أو صحيفة الأعمال . { ينطق بالحق } بالصدق لا يوجد فيه ما يخالف الواقع . { وهم لا يظلمون } بزيادة عقاب أو نقصان ثواب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ وَلَدَيۡنَا كِتَٰبٞ يَنطِقُ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (62)

قوله تعالى : { ولا نكلف نفساً إلا وسعها } نسخ لجميع ما ورد في الشرع من تكليف ما لا يطاق على الحقيقة ، وتكليف ما لا يطاق أربعة أقسام ، ثلاثة حقيقة ورابع مجازي وهو الذي لا يطاق للاشتغال بغيره مثل الإيمان للكافر والطاعة للعاصي وهذا تكليف باق وهو تكليف أكثر الشريعة ، وأما الثلاثة فورد الإثنان منها وفيها وقع النسخ المحال عقلاً في نازلة أبي لهب والمحال عادة في قوله تعالى : { إن تبدوا ما في أنفسكم }{[8510]} [ البقرة : 284 ] ، والثالث لم يرد فيه شيء وهو النوع المهلك لأن الله تعالى لم يكلفه عباده ، فأما قتل القاتل ورجم الزاني فعقوبته بما فعل وقد مضى القول مستوعباً موجزاً في مسألة تكليف ما لا يطاق في سورة البقرة{[8511]} وفي قولنا ناسخ نظر من جهة التواريخ ، وما نزل بالمدينة وما نزل بمكة والله المعين ، وقوله تعالى : { ولدينا كتاب } أظهر ما قيل فيه أنه أراد كتاب إحصاء الأعمال الذي ترفعه الملائكة ، وفي الآية على هذا التأويل تهديد وتأنيس من الحيف والظلم ، وقالت فرقة الإشارة بقوله { ولدينا كتاب } إلى القرآن .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا يحتمل والأول أظهر .


[8510]:من الآية (284) من سورة (البقرة).
[8511]:راجع الجزء الثاني صفحة (539) وما بعدها. وهناك وضحنا المراد بنازلة أبي لهب وعلقنا على كثير من الآراء التي ذكرها ابن عطية رحمه الله.