قوله تعالى : { ومن يكسب خطيئة }أي : سرقة الدرع .
قوله تعالى : { أو إثماً } بيمينه الكاذبة .
قوله تعالى : { ثم يرم به } أي : يقذف بما جنى .
قوله تعالى : { بريئاً } منه وهو نسبة السرقة إلى اليهودي .
قوله تعالى : { فقد احتمل بهتاناً } البهتان : هو البهت ، وهو الكذب الذي يتحير في عظمه .
قوله تعالى : { وإثماً مبيناً } أي : ذنباً بيناً ، وقوله { ثم يرم به } ولم يقل بهما بعد ذكر الخطيئة والإثم ، رد الكناية إلى الإثم ، أو جعل الخطيئة والإثم كالشيء الواحد .
ثم بين - سبحانه - المصير السئ الذى ينتظر أولئك الذين يرتكبون السوء ثم يرمون به غيرهم فقال : { وَمَن يَكْسِبْ خطيائة أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احتمل بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } .
وقد قيل : إن الخطئية والإِثم هنا بمعنى واحد وقد جئ بها على اختلاف لفظيهما للتأكيد المعنوى . ولم يرتض كثير من العلماء هذا القيل بل قالوا هما متغايران . وأن المراد بالخطيئة : المعصية الصغيرة . والمراد بالإِثم : المعصية الكبيرة . وقال آخرون : الفرق بين الخطئية والإِثم أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد . والإِثم لا يكون إلا عن عمد .
ويبدو لنا من تعبير القرآن عن الخطيئة أن المراد بها الذنوب التى يرتكبها صاحبها عن استهانة وعدم اكتراث ، لأنه لكثرة ولوغه فى الشرور صار يأتيها بلا مبالاة . قال - تعالى - { بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته } وقال - تعالى - { مِّمَّا خطيائاتهم أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً } وأن المراد بالإِثم هنا : الذنوب التى يرتكبها الإِنسان عن تعمد وإصرار فتؤدى به إلى الإِبطاء عن الاتجاه إلى الله بالاستغفار والتوبة ، لأن الإِثم كما يقول الراغب - : اسم للأفعال المبطئة عن الثواب .
والبهتان كما يقول القرطبى من البهت - بمعنى الدهش والتحير من فظاعة ما رمى به الإِنسان من كذب - وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه برئ . وروى مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا الله ورسوله أعلم . قال : ذكرك أخاك بما يكره قال : أفرأيت أن كان فى أخى ما أقول ؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد أغتبته . وإن لم يكن فيه فقد بهته " ثم قال القرطبى وهذا نص . فرمى البرئ بهت له . يقال . بهته بهتا وبهتانا إذا قال عليه ما لم يفعله .
والمعنى : { وَمَن يَكْسِبْ خطيائة } أى ذنبا من الذنوب التى يرتكبها صاحبها عن استهانة لكثرة تعوده على ارتكاب السيئات ، أو يرتكب { إِثْماً } من الآثمام التى تبطئه عن رضا الله ورحمته { ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً } أى : ينسبه إلى غيره من الأبرياء مع أنه هو الذى اقترفه { فَقَدِ احتمل } أى : فقد تحمل بسبب فعله ذلك { بُهْتَاناً } أى كذبا يجعل من رمى به فى حيرة ودهشة ، وتحمل أيضا { وَإِثْماً مُّبِيناً } أى ذنبا واضحا بينا لاخفاء فيه يؤدى به إلى غضب الله وسخطه .
قال الجمل وقوله ( به ) فى هذه الهاء أقوال :
أحدها : أنها تعود على { وَإِثْماً } والمتعاطفان بأو يجوز أن يعود الضمير على المعطوف كما فى هذه الآية وعلى المعطوف عليه كما فى قوله - تعالى -
{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } الثانى : أنها تعود على الكسب المدلول عليه بالفعل نحو ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) أى العدل .
الثالث : أنها تعود على أحد المذكورين الدال عليه العطف بأو فإنه فى قوة ثم يرم بأحد المذكورين .
وقال الفخر الرازى : واعلم أن صاحب البهتان مذموم فى الدنيا أشد الذم ومعاقب فى الآخرة أشد العقاب . فقوله : { فَقَدِ احتمل بُهْتَاناً } إشارة إلى ما يلحقه من الذم العظيم فى الدنيا . وقوله { وَإِثْماً مُّبِيناً } إشارة إلى ما يلحقه من العقاب العظيم فى الآخرة .
وبهذا نرى أن هذه الآيات الثلاثة قد بينت مراتب العصاة أمام الله - تعالى وفتحت لهم باب التوبة ليثوبوا إلى رشدهم ، وتوعدت المصرين على معاصيهم بسوء المصير .
والآية الثالثة تقرر تبعة من يكسب الخطيئة ثم يرمي بها البرى ء . . وهي الحالة المنطبقة على حالة العصابة التي يدور عليها الكلام :
( ومن يكسب خطيئة أو إثما ، ثم يرم به بريئا ، فقد احتمل بهتانا وإثما مبينًا . . )
البهتان في رميه البرى ء . والإثم في ارتكابه الذنب الذي رمى به البرى ء . . وقد احتملهما معه . وكأنما هما حمل يحمل . على طريقة التجسيم التي تبرز المعنى وتؤكده في التعبير القرآني المصور .
وبهذة القواعد الثلاث يرسم القرآن ميزان العدالة الذي يحاسب كل فرد على ما اجترح . ولا يدع المجرم يمضي ناجيا إذا ألقى جرمه على سواه . . وفي الوقت ذاته يفتح باب التوبة والمغفرة على مصراعيه ؛ ويضرب موعدا مع الله - سبحانه - في كل لحظة للتائبين المستغفرين ، الذين يطرقون الأبواب في كل حين . بل يلجونها بلا استئذان فيجدون الرحمة والغفران !
ثم قال : { وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا [ فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ]{[8300]} } يعني : كما اتهم بنو أُبَيْرق بصنيعهم القبيح ذلك الرجل الصالح ، وهو لَبِيد بن سهل ، كما تقدم في الحديث ، أو زيد بن السمين اليهودي على ما قاله الآخرون ، وقد كان بريئًا وهم الظلمة الخونة ، كما أطلعَ الله على ذلك رسولَه صلى الله عليه وسلم . ثم هذا التقريع وهذا التوبيخ عام فيهم وفي غيرهم ممن اتصف مثل صفتهم{[8301]} وارتكب مثل خطيئتهم ، فعليه مثل عقوبتهم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ومن يعمل خطيئة وهي الذنب، أو إثما وهو ما لا يحلّ من المعصية. وإنما فّرق بين الخطيئة والإثم، لأن الخطيئة قد تكون من قبل العمد وغير العمد، والإثم لا يكون إلا من العمد، ففصل جلّ ثناؤه لذلك بينهما، فقال: ومن يأت خطيئة على غير عمد منه لها، أو إثما على عمد منه ثم يرم به بريئا، يعني بالذي تعمده بريئا، يعني ثم يصف ما أتى من خطئه أو إثمه الذي تعمده بريئا مما أضافه إليه ونحله إياه {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتانا وإثْما مُبِينا}: فقد تحمل بفعله ذلك فرية وكذبا "وإثما عظيما": يعني وجرما عظيما على علم منه وعمد لما أتى من معصيته وذنبه.
واختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله: {بَرِيئا} بعد إجماع جميعهم على أن الذي رمى البريء من الإثم الذي كان أتاه ابن أبيرق الذي وصفنا شأنه قبل؛ فقال بعضهم: عنى الله عزّ وجلّ بالبريء رجلاً من المسلمين يقال له لبيد بن سهل.
وقال آخرون: بل عنى رجلاً من اليهود يقال له زيد بن السمين،
وقيل: {يَرْمِ بِهِ بَرِيئا} بمعنى: ثم يرم بالإثم الذي أتى هذا الخائن من هو بريء مما رماه به، فالهاء في قوله «به» عائدة على الإثم، ولو جعلت كناية من ذكر الإثم والخطيئة كان جائزا، لأن الأفعال وإن اختلفت العبارات عنها فراجعة إلى معنى واحد بأنها فعل.
{فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتانا وإثْما مُبِينا}: فقد تحمل هذا الذي رمي بما أتى من المعصية وركب من الإثم والخطيئة من هو بريء مما رماه به من ذلك بهتانا، وهو الفرية والكذب، وإثما مبينا، يعني وزرا مبينا، يعني أنه يبين عن أمر عمله وجراءته على ربه وتقدمه على خلافه فيما نهاه عنه لمن يعرف أمره.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
من نسب إلى بريء ما هو صفته من المخازي، عكس الله عليه الحال، وألبس ذلك البريء ثواب محاسن راميه، وسحب ذيل العفو على مساويه، وقَلَبَ الحال على المتعدِّي بما يفضحه بين أشكاله، في عامة أحواله...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{خَطِيئَةً} صغيرة {أَوْ إِثْماً} أو كبيرة {ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً} كما رمى طعمة زيداً {فَقَدِ احتمل بهتانا وَإِثْماً} لأنه بكسب الإثم «آثم» وبرمي البريء «باهت» فهو جامع بين الأمرين.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذه الآية لفظها عام، ويندرج تحت ذلك العموم وتوبيخه أهل النازلة المذكورة،...
أما قوله {فقد احتمل بهتانا} فالبهتان أن ترمي أخاك بأمر منكر وهو برئ منه. واعلم أن صاحب البهتان مذموم في الدنيا أشد الذم، ومعاقب في الآخرة أشد العقاب، فقوله {فقد احتمل بهتانا} إشارة إلى ما يلحقه من الذم العظيم في الدنيا، وقوله {وإثما مبينا} إشارة إلى ما يلحقه من العقاب العظيم في الآخرة...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
يطلق العلماء الخطيئة والإثم والذنب والسيئة على المعصية. ولكل لفظ منها معنى في أصل اللغة يناسبه إطلاق القرآن. ولا يمكن أن يكون الإثم هنا بمعنى الخطيئة. ويقول الراغب إن الإثم في الأصل اسم للأفعال المبطئة عن الثواب. أي مثل السكر والميسر لأنهما يشغلان صاحبهما عن كل عمل صالح ولذلك قال تعالى: {فيهما إثم كبير} [البقرة:219] وأما الخطيئة فظاهر أنها من الخطأ ضد الصواب، وصيغة فعلية تدل على معنى أيضا، فالخطيئة الفعلة العريقة في الخطأ لظهوره فيها ظهورا لا يعذر صاحبه بجهله. والخطأ قسمان أحدهما أن تخطئ ما يراد منك، وهو ما يطالبك به الشرع ويفرضه عليك الدين، أو ما جرى عليه العرف والعهد، ويدخل في القسم الثاني ويخطئه الفاعل من مطالب الشرع أي يتجاوزه ولو عمدا، ومن هنا جعلوا الخطيئة بمعنى المعصية مطلقا، وفسرها ابن جرير هنا بالخطأ والإثم بالعمد.
الخطيئة ما يصدر من الذنب عن الفاعل خطأ أي من غير ملاحظة أنه ذنب مخالف للشريعة، والإثم ما يصدر عنه مع ملاحظة أنه ذنب. ويعني بالملاحظة تذكر ذلك وتصوره عند الفعل، وقال إن عدم الملاحظة والشعور بالذنب عند فعله قد يكون سببه تمكن داعيته من النفس ووصولها إلى درجة الملكات الراسخة والأخلاق الثابتة التي تصدر عنها الأعمال بغير تكلف ولا تدبر، وهذا المعنى هو المراد هنا. أقول: ويصح أن يكون هذا البيان توجيها لقول من فسر الخطيئة هنا بالمعصية الكبيرة. والبهتان الكذب الذي يبهت المكذوب عليه أي يحيره ويدهشه.
والمعنى أن من يكسب خطيئة أو إثما ثم يبرئ نفسه منه أي مما ذكر ويرمي به بريئا أي ينسبه إليه ويزعم أنه هو الذي كسبه، فقد احتمل أي كلف نفسه أن يحمل وزر البهتان بافترائه على البريء واتهامه إياه ووزر الإثم البين الذي كسبه وتنصل منه. وقد فشا هذا بين المسلمين في هذا الزمان ومع هذا ينسب المارقون ضعفهم إلى دينهم، وإنما سببه ترك هدايته، فالحادثة التي نزلت هذه الآيات في إثر وقوعها كانت فذة في بابها وما زال المفسرون يجزمون بأن المسلمين الذين سرق أو خان بعضهم ونصره آخرون وبهتوا اليهودي برميه بجرمه وهو بريء لم يكونوا مسلمين إلا في الظاهر، وإنما هم منافقون في الباطن، لأن مثل هذا الإثم المبين، والبهتان العظيم، لا يكون من المؤمنين الصادقين، ولكن مثلها صار اليوم مألوفا، بل وجد في حملة العمائم من يفتي بجواز خيانة غير المسلمين، وأكل أموال المعاهدين والمستأمنين بالباطل، كما علمنا من واقعة حال استفتينا فيها ونشرت الفتوى في المنار، ونعوذ بالله من هذا الخذلان.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً} أي: ذنبا كبيرا {أَوْ إِثْمًا} ما دون ذلك. {ثُمَّ يَرْمِ بِهِ} أي يتهم بذنبه {بَرِيئًا} من ذلك الذنب، وإن كان مذنبا. {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} أي: فقد حمل فوق ظهره بهتا للبريء وإثمًا ظاهرًا بينًا، وهذا يدل على أن ذلك من كبائر الذنوب وموبقاتها، فإنه قد جمع عدة مفاسد: كسب الخطيئة والإثم، ثم رَمْي مَن لم يفعلها بفعلها، ثم الكذب الشنيع بتبرئة نفسه واتهام البريء، ثم ما يترتب على ذلك من العقوبة الدنيوية، تندفع عمن وجبت عليه، وتقام على من لا يستحقها. ثم ما يترتب على ذلك أيضا من كلام الناس في البريء إلى غير ذلك من المفاسد التي نسأل الله العافية منها ومن كل شر...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
الآية الثالثة تقرر تبعة من يكسب الخطيئة ثم يرمي بها البرى ء.. وهي الحالة المنطبقة على حالة العصابة التي يدور عليها الكلام:
(ومن يكسب خطيئة أو إثما، ثم يرم به بريئا، فقد احتمل بهتانا وإثما مبينًا..)
البهتان في رميه البرى ء. والإثم في ارتكابه الذنب الذي رمى به البرى ء.. وقد احتملهما معه. وكأنما هما حمل يحمل. على طريقة التجسيم التي تبرز المعنى وتؤكده في التعبير القرآني المصور.
وبهذه القواعد الثلاث يرسم القرآن ميزان العدالة الذي يحاسب كل فرد على ما اجترح. ولا يدع المجرم يمضي ناجيا إذا ألقى جرمه على سواه.. وفي الوقت ذاته يفتح باب التوبة والمغفرة على مصراعيه؛ ويضرب موعدا مع الله -سبحانه- في كل لحظة للتائبين المستغفرين، الذين يطرقون الأبواب في كل حين. بل يلجونها بلا استئذان فيجدون الرحمة والغفران!
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
ليس للإنسان المؤمن أن يبرئ نفسه باتهام غيره البريء، بل عليه أن يتحمل مسؤولية عمله بالالتزام بكل النتائج المترتبة عليه، من دون فرق بين أن يكون هذا البريء الذي يُراد إلصاق التهمة به مسلماً أو غير مسلم، لأن القضية قضية المبدأ الذي يفرضه الإيمان كموقف في الحياة، وهو أنه لا يجوز معاقبة أي إنسان بريء بما لم يفعله، ولا يجوز اتهامه حتى لو لم تترتب عليه أية نتائج عملية؛ لأن ذلك كذب وظلم وبهتان، والإسلام لا يريد لمجتمعه أن يعيش فيه الناس تحت رحمة الاتهامات الكاذبة والعقد النفسية، والقوى المسيطرة، بل يريد للفرد، مهما كان دينه وعقيدته وموقعه الاجتماعي، أن يشعر بالأمن والطمأنينة تحت ظل العدل الذي يمارسه الحاكم والمحكوم، في حماية الحق أينما كان موقعه، وفي مواجهة الباطل أينما كان مجاله؛ وبهذه الروح أراد الله لليهودي البريء أن يعيش في حماية الإسلام، من دون أن يكون ليهوديته أية صفة سلبية ضده في ميزان الحكم بالعدل، كما أراد للمسلم السارق أن يأخذ حصته من العقوبة في خط العدل، من دون أن يكون لإسلامه أية صفة إيجابية في الحكم له بالباطل...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وتجدر الإِشارة إِلى أنّ الآية استخدمت كناية جميلة بالنسبة للتهمة، وهي أنّها جعلت الذنب في هذا المجال كالسهم، وجعلت نسبته إِلى الغير زوراً بمثابة رمي السهم صوب الهدف، وهذه إِشارة إِلى أنّه في حين أن تصويب السهم نحو إِنسان آخر قد يؤدي إِلى القضاء عليه، فإنّ رمي الإِنسان البريء بذنب لم يقترفه يكون بمثابة رمية بسهم يقضي على سمعته التي هي بمنزلة دمه...
وحقيقة الأمر أن إِشاعة مثل هذا العمل الجبان في أي محيط إِنساني كان يؤدي في النهاية إِلى انهيار نظام العدالة الاجتماعية، واختلاط الحق بالباطل، وتورط البريء وتبرئة المذنب، وزوال الثقة من بين الناس...