معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا} (130)

قوله تعالى : { فإن الله كان غفوراً رحيماً وإن يتفرقا وإن يتفرقا } ، يعني : الزوج والمرأة بالطلاق .

قوله تعالى : { يغن الله كلا من سعته } . من رزقه ، يعني : المرأة بزوج آخر . والزوج بامرأة أخرى .

قوله تعالى : { وكان الله واسعاً حكيماً } ، واسع الفضل والرحمة ، حكيماً فيما أمر به ونهى عنه . وجملة حكم الآية : أن الرجل إذا كانت تحته امرأتان أو أكثر ، فإنه يجب عليه التسوية بينهن في القسم ، فإن ترك التسوية بينهم في فعل القسم عصى الله تعالى ، وعليه القضاء للمظلومة ، والتسوية شرط في البينونة ، أما في الجماع فلا ، لأنه يدور على النشاط ، وليس ذلك إليه . ولو كانت في نكاحه حرة وأمة فإنه يبيت عند الحرة ليلتين ، وعند الأمة ليلة واحدة ، وإذا تزوج جديدة على قديمات عنده ، يخص الجديدة بأن يبيت عندها سبع ليال على التوال ، إن كانت بكراً ، وإن كانت ثيباً فثلاث ليال ، ثم يسوي بعد ذلك بين الكل ، ولا يجب قضاء هذه الليالي للقديمات .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، ثنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، ثنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا يوسف بن راشد ، ثنا أبو أسامة ، سفيان الثوري ، ثنا أيوب وخالد ، عن أبي قلابة ، عن أنس رضي الله عنه قال : " من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ، ثم قسم ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ، ثم قسم " . قال أبو قلابة : ولو شئت لقلت : إن أنساً رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وإذا أراد الرجل سفر حاجة ، فيجوز له أن يحمل بعض نسائه مع نفسه بعد أن يقرع بينهن فيه ، ثم لا يجب عليه أن يقضي للباقيات مدة سفره وإن طالت ، إذا لم يزد مقامه في بلده على مدة المسافرين ، والدليل عليه : ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، ثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم ، ثنا الربيع ، ثنا الشافعي ، ثنا عمي محمد بن علي بن شافع عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها " .

أما إذا أراد سفر نقلة فليس له تخصيص بعضهن لا بالقرعة ولا بغيرها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا} (130)

وبعد أن رغب - سبحانه - فى الصلح بين الزوجين وحض عليه ، وأمر الأزواج بالعدل بين لأن الزوجات بالقدر الذى يستطيعونه ، عقب ذلك ببيان أن التفرقة بينهما جائزة إذا لم يكن منها بد . لأن التفرقة مع الإِحسان خير من المعاشرة فقال - تعالى - { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ الله وَاسِعاً حَكِيماً } .

وإن عز الصلح بين الزوجين واختارا الفراق تخوفا من ترك حقوق الله التى أوجبها على كل واحد منهما { يُغْنِ الله كُلاًّ } منهما { مِّن سَعَتِهِ } أى يجعل كل واحد منهما مستغنيا عن الآخر { وَكَانَ الله وَاسِعاً حَكِيماً } أى : وكان الله - تعالى - وما يزال واسعا أى واسع الغنى والرحمة والفضل { حَكِيماً } فى جميع أفعاله وأحكامه .

وبهذا نرى أن هذه الآيات الكريمة قد وضعت أحكم الأسس للحياة الزوجية السليمة ، وعالجت أمراضها بالعلاج الشافى الحكيم ، فقد أمرت الرجال بأن يؤدوا للنساء حقوقهن ، وأن يعاشروهن بالمعروف ، وأن على الزوجين إذا ما دب بينهما خلاف أن يعالجاه فيما بينها بالتصالح والتسامح ، وإذا اقتضى الأمر أن يتنازل أحدهما للآخر عن جانب من حقوقه فليفعل من أجل الإِبقاء على الحياة الزوجية . وأن الرجل لا يستطيع أن يعدل عدلا مطلقا كاملا بين زوجاته ، ولكن هذا لا يمنعه من العدل بينهن بالقدر الذى يستطيعه بدون تقصير أو ميل مع الهوى ، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور . وأنه إذا استحال الصلح وتنافرت الطباع ، وساءت العشرة كان الفراق بينهما أجدى ، إذ الفراق مع الإِحسان خير من الإِمساك مع المعاشرة السيئة التى عز معها الإِصلاح والوفاق والتقارب بين القلوب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا} (130)

فأما حين تجف القلوب ، فلا تطيق هذه الصلة ؛ ولا يبقى في نفوس الزوجين ما تستقيم معه الحياة ، فالتفرق إذن خير . لأن الإسلام لا يمسك الأزواج بالسلاسل والحبال ، ولا بالقيود والأغلال ؛ إنما يمسكهم بالمودة والرحمة ؛ أو بالواجب والتجمل . فإذا بلغ الحال أن لا تبلغ هذه الوسائل كلها علاج القلوب المتنافرة ، فإنه لا يحكم عليها أن تقيم في سجن من الكراهية والنفرة ؛ أو في رباط ظاهري وانفصام حقيقي !

( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته . وكان الله واسعا حكيمًا ) . .

فالله يعد كلا منهما أن يغنيه من فضله هو ، ومما عنده هو ؛ وهو - سبحانه - يسع عباده ويوسع عليهم بما يشاء في حدود حكمته وعلمه بما يصلح لكل حال .

إن دراسة هذا المنهج ، وهو يعالج مشاعر النفوس ، وكوامن الطباع ، وأوضاع الحياة في واقعيتها الكلية . . تكشف عن عجب لا ينقضي ، من تنكر الناس لهذا المنهج . . هذا المنهج الميسر ، الموضوع للبشر ، الذي يقود خطاهم من السفح الهابط ، في المرتقى الصاعد ، إلى القمة السامقة ؛ وفق فطرتهم واستعدادتهم ؛ ولا يفرض عليهم أمرا من الارتفاع والتسامي ، إلا وله وتر في فطرتهم يوقع عليه ؛ وله استعداد في طبيعتهم يستجيشه ؛ وله جذر في تكوينهم يستنبته . . ثم هو يبلغ بهم - بعد هذا كله - إلى ما لا يبلغه بهم منهج آخر . . في واقعية مثالية . أو مثالية واقعية . . هي صورة طبق الأصل من تكوين هذا الكائن الفريد .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا} (130)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِن يَتَفَرّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاّ مّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : فإن أبت المرأة التي قد نشز عليها زوجها ، أو أعرض عنها بالميل منها إلى ضرتها لجمالها أو شبابها ، أو غير ذلك مما تميل النفوس به إليها الصلح ، لصفحها لزوجها عن يومها وليلتها ، وطلبت حقها منه من القسم والنفقة وما أوجب الله لها عليه ، وأبي الزوج الأخذ عليها بالإحسان الذي ندبه الله إليه بقوله : وَإنْ تُحْسِنُوا وَتَتّقوا فإنّ اللّهَ كانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا } وإلحاقها في القسم لها والنفقة والعشرة بالتي هو إليها ، مائل ، فتفرّقا بطلاق الزواج إياها¹ { يُغْنِ اللّهَ كُلاّ مِنْ سَعَتِهِ } يقول يغن الله الزوج والمرأة المطلقة من سعة فضله ، أما هذه فبزوج هو أصلح لها من المطلق الأوّل ، أو برزق واسع وعصمة¹ وأما هذا فبرزق واسع وزوجة هي أصلح له من المطلقة أو عفة . { وكانَ اللّهُ وَاسِعا } يعني : وكان الله واسعا لهما في رزقه إياهما وغيرهما من خلقه . { حَكِيما } فيما قضى بينه وبينها من الفرقة والطلاق ، وسائر المعاني التي عرفناها من الحكم بينهما في هذه الاَيات وغيرها وفي غير ذلك من أحكامه وتدبيره وقضاياه في خلقه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { وَإنْ يَتَفَرّقا يُغْنِ اللّهُ كُلاّ مِنْ سَعَتِهِ } قال : الطلاق يغني الله كلاّ من سعته .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا} (130)

ثم وسّع الله عليهما إن لم تنجح المصالحة بينهما فأذن لهما في الفراق بقوله : { وإن يتفرّقا يغن الله كلاًّ من سعته } .

وفي قوله : { يغن الله كلاَ من سعته } إشارة إلى أنّ الفراق قد يكون خيراً لهما لأنّ الفراق خير من سوء المعاشرة . ومعنى إغناء الله كلاًّ : إغناؤه عن الآخر . وفي الآية إشارة إلى أنّ إغناء الله كلاّ إنّما يكون عن الفراق المسبوق بالسعي في الصلح .

وقوله : { وكان الله واسعاً حكيماً } تذييل وتنهية للكلام في حكم النساء .