اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا} (130)

قوله " وَإنْ يَتَفَرَّقا " يعني : الزَّوْج والمَرْأة بالطَّلاق ، { يُغنِ اللَّه كُلاًّ مِن سَعَتِهِ } : من رزقه ، يعني : المَرْأة بِزَوْج آخر ، والزَّوْج بامرأة أخْرى .

وقيل : يُغْنِي اللَّه كل واحِدٍ منهما عن صَاحِبِه بعد الطَّلاقِ ، { وكان اللَّه واسِعاً حَكِيماً } وصف نفسه بِكَوْنه وَاسِعاً ؛ ولم يُضِفْه إلى شَيْء ؛ لأنه - تعالى{[17]} - وَاسِعُ الفَضْل{[18]} ، واسع الرِّزْقِ ، واسع النِّعْمَةِ ، واسع الرَّحْمَةِ ، واسع القُدْرَةِ ، واسِعُ العِلْمِ ، واسعٌ في جميع الكمالات ، فلو قالَ : واسِعٌ في كذا ، لاخْتَصَّ بذلك المَذْكُور ، وقوله : " حكيماً " قال ابن عبَّاسٍ{[19]} : يريد فيما أمرَ ونَهَى ، وقال الكلبيُّ{[20]} : فيما حَكَم على الزَّوْج من إمْسَاكِهَا بمعرُوفٍ ، أوْ تسريحٍ بإحْسَانٍ .

فصل

حُكْم الرَّجلِ إذا كان تَحْتَهُ امْرأتَان أوْ أكْثَر ، يجِبُ عليه التَّسْوِيَة بَيْنَهُنَّ في القَسْم ، فإن ترك التَّسْوِيَة بَيْنَهُنَّ في القَسْم ، عَصَى اللَّه - تعالى - ، وعليه القَضَاءُ للمَظْلُومة ، والتَّسْوِيَة{[21]} شَرْط في البَيْنُونَةِ أمَّا في الجِمَاع{[22]} فَلاَ ؛ لأنه يَدُور على النَّشَاطِ وليس ذَلِكِ إلَيه ، ولو كانت تَحْتَه حُرّةٌ وأمَةٌ فإنَّه يَبِيتُ عِنْد الحُرَّة لَيْلَتَيْن ، وعند الأمَة لَيْلَة ، وإذا تَزَوَّج جَدِيدَةً على قَدِيمَة ، يخص الجَدِيدَة بأن يَبِيت عِنْدَهَا سَبْعَ لَيَالٍ على التَّوالِي إن كانت بِكْراً ، وإن كانت ثَيِّباً ، فثلاث لَيَالٍ ، ثم يُسَوِّي بعد ذَلِك بين الكُلِّ ، ولا يجب قَضَاء هذه الثلاث للقَدِيمَات ؛ لقول أنسٍ : من السُّنَّةِ إذا تزوَّج البكر على الثَّيِّب أن يُقِيم عِنْدَها سَبْعَةً ، وإذا تزوَّج الثَّيِّب على البِكْرِ ، أن يُقِيم عندها ثلاثاً ، فإن أحبَّت الثَّيِّبُ أن يُقِيم عِنْدَها سبْعاً ، فعل ، ثم قَضَاه للبَوَاقِي ؛ لأن " النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما تَزَوَّج أمَّ سَلَمَة أقام عِنْدَها سَبْعاً ، ثم قال : لَيْس بك هَوانٌ على أهْلِكِ ، إن شِئْت سَبَّعْت لَكِ ، وإن سَبَّعْت لك سَبَّعْت لِنِسَائي " {[23]} ، وإذا أرادَ الرَّجُل سفرَ حَاجَةٍ ، فيجُوزُ له أنْ يحمل بَعْضَ نِسَائِه [ معه بالقُرْعَة بَيْنَهُنَّ ]{[24]} ، ولا يَجِبُ عليه [ أن ]{[25]} يَقْضِي{[26]} للبَاقِيَات مُدَّة سَفَرِه وإن طَالَتْ إذا لَمْ يزدْ مَقَامُهُ في بَلْدة على مُدَّة المُسَافِرِين ؛ لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سَفَراً ، أقْرَعَ بين نِسَائِه ، فأيّتهن خَرَج{[27]} سهُمُهَا ، خرج بِهَا مَعَهُ ، أما إذا أرَادَ سَفَرَ نَقْلةٍ ، فَلَيْسَ له تَخْصِيصُ{[28]} بَعْضِهِن ، لا بِقُرْعَة ولا بِغَيْرها .


[17]:ينظر: السبعة 200، والكشف 1/334، والحجة، 3/6 والبحر المحيط 2/389، والدر المصون 2/5.
[18]:قال سيبويه 3/25 "فإن قلت: ما بالي أقول: واحد اثنان، فأشم الواحد، ولا يكون ذلك في هذه الحروف فلأن الواحد اسم متمكن، وليس كالصوت، وليست هذه الحروف مما يدرج وليس أصلها الإدراج...".
[19]:ينظر: المشكل 1/ 123.
[20]:ينظر: الكتاب 2/107.
[21]:ينظر: البحر المحيط 2/391.
[22]:سقط في ب.
[23]:ينظر: الدر المصون 2/6.
[24]:ينظر ديوانه ص 216، ولسان العرب (ثور)، وخزانة الأدب 7/210، ورصف المباني ص 41 والمصنف 1/68، والدر المصون 2/6.
[25]:قرأ بها عيسى بن عمر كما في الشواذ 129، وستأتي في سورة "ص" آية 1،2.
[26]:تقدمت.
[27]:سقط في أ.
[28]:سقط في أ.